قال البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في عظة قداس اليوم الأحد في الديمان تحت عنوان “وبعض الحبّ وقع في الأرض الصالحة، ونبت فأثمر مئة ضعف”(لو 8: 8 ): يحذّرنا الربّ يسوع من ثلاثة مواقف سلبيّة، تجاه الكلمة الإلهيّة التي نسمعها أو نقرأها وهي في الواقع شخص يسوع المسيح، الإله-الإنسان :
الموقف الأوّل، عدم الإكتراث والإهمال، المشبّه بقارعة الطريق، حيث يسقط الحَبّ فتأكله الطيور وتدوسه الأقدام. تقع الكلمة الإلهيّة في أذن السامع وعقله، فيسلبها منه إبليس عند أوّل تجربة ومصلحة ذاتيّة أو صعوبة.
الموقف الثاني، السطحيّة والتحجّر. السطحيّة هي عدم وجود عمق روحيّ ونضج يهيّئ النفس لقبول الكلمة الإلهيّة والتفاعل معها. التحجّر هو التشبّث بالرأي، والإنغلاق على الرأي الآخر والنظرة الأخرى. تمامًا مثل الحبّة التي تقع على الصخر، فما إن تنبت تيبس لإفتقادها إلى رطوبة. هذا شأن الذين يقبلون الكلمة بفرح، ولكنّهم سرعان ما يتراجعون عند أوّل تجربة.
الموقف الثالث، الإنهماك بشؤون الأرض، من دون اعتبار للشؤون الإلهيّة. والظنّ أنّ بالمال أو بالسلطة أو بالسلاح نستطيع كلّ شيء، ولا شيء يُرجى من الله والشؤون الروحيّة. هذه الحالة مشبّهة بالزرع الذي سقط بين الأشواك فخنقه، وتمثّل فئة الذين يسمعون الكلمة، لكنّ الهموم والغنى وملذّات الحياة تعيقها، فلا تجد الكلمة طريقًا إلى عقولهم وقلوبهم وإراداتهم لكي تثمر.
وأضاف: عندما نقبل الكلمة الإلهيّة في صميم عقلنا وإرادتنا وقلبنا، تثمر أفعال خير، ومبادرات صالحة، ومواقف بنّاءة وإنجازات خير وعدل.
وتابع: سماع كلام الله، قراءةً وإنصاتًا وتأمّلًا، واجب على كلّ مؤمن ومؤمنة. وهو واجب بخاصّة على كلّ مسؤول في الكنيسة والعائلة والمجتمع والدولة. لا يستطيع المسؤول الإستغناء عن سماع كلام الله، لأنّ هذا الكلام نور وحياة: نور للعقول، وحياة للقلوب. هو نور للعقول بدونه يضيع الإنسان في ظلمات عدم الوضوح والشرّ، وفي ظلمة الضياع والتحجّر في الفكرة والموقف والرأي والأفكار المسبقة، فيغيب الحوار، ويستولي القرار الشخصيّ المتفرّد.
وهو حياة للقلوب، حياة محبّة وحنان وأخوّة. فبدونه بغض وكراهيّة وعداء.
من هنا نقول: إنّ كلمة الله تحرّر وتوحّد وتجمع. فيا ليت كلّ مسؤول عندنا يصغي في قرارة نفسه ووجدانه لكلام الله، لبدّل العديد من مواقفه السلبيّة، وأوّلها تعطيل انتخاب رئيس للجمهوريّة، تستقيم بانتخابه المؤسّسات الدستوريّة وفي طليعتها مجلس النوّاب الذي يستعيد سلطته التشريعيّة المفقودة، ومجلس الوزراء فاقد الكثير من صلاحيّاته. وها نحن على بعد سنتين إلّا ثلاثة أشهر من فراغ سدّة الرئاسة، والبلاد تسير إلى الوراء في تفكّك أوصالها.