ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس رأس السنة في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي.
بعد الانجيل المقدس، القى الراعي عظة قال فيها: “إنّا ننتهز هذه المناسبة لنقدّم تهانينا الحارّة وتمنيّاتنا القلبيّة لكم جميعًا، ولجميع أبناء كنيستنا المارونيّة في لبنان والشرق الأوسط وبلدان الإنتشار، أساقفة وكهنة ورهبانًا وراهبات ومؤمنين، سائلين الله أن يجعلها سنة سلام وخير وإيقاف الحرب على قطاع غزّة، وانتخاب رئيس لجمهوريّتنا اللبنانيّة، وانتظام الحياة الدستوريّة فيها”. أضاف: “بناء السلام أمرٌ مشرّف للغاية، ويرفع صاحبه إلى مرتبة أبناء الله، كما أكّد يسوع في عظة الجبل: “طوبى لصانعي السلام، فإنّهم أبناء الله يُدعون” (متى 5: 9). صنع السلام بطولة وانتصار، أمّا الحرب والنزاعات فضعف وانكسار. فيوصي بولس الرسول مسيحيي روما: “لا تجازوا أحدًا شرًّا بشرّ … بل احرصوا أن تسالموا، إن أمكن، جميع الناس … لا يغلبكم الشرّ، بل إغلبوا الشرّ بالخير” (روم 12: 17، 18، 21). هذا هو الدور الطبيعي المعطى للبنان بحكم ثقافته السلاميّة ونظامه السياسيّ المميّز بثلاثة:
أ- ميثاق العيش المشترك في الوحدة (سنة 1943)
هذا الميثاق كرّسه إتّفاق الطائف (1989) بجعل لبنان وطنًا مشتركًا مسيحيًّا-إسلاميًّا، يرتكز على فكرة قبول الآخر وحقّ الآخر بالإختلاف. كرّس الدستور (1990) مبدأ المناصفة بين المسيحيّين والمسلمين، بغضّ النظر عن العدد. قال أحد رؤساء الوزارة السابقين المغفور له رشيد كرامي، عن هذا الميثاق الوطنيّ: “لنعمل لما يُغنيه ولا يُلغيه”.
ب- رئيس الجمهوريّة هو “رئيس الدولة” (المادّة 49 من الدستور)
“رئيس الدولة” يعني ضامن المصلحة العامّة (res publica). مهما كان مستوى الإندماج والتضامن بين 18 طائفة في لبنان لا يستقيم من دون رئاسة جمهوريّة. فرئيس الجمهوريّة ضامن الشأن العام، والمصلحة العامّة العابرة لكلّ الإنتماءات الطائفيّة، ليس رئيس عائلة أو فئة أو طائفة، بل رئيس كل الدولة.
ج- حياد لبنان هو هويته الأساسيّة والجوهريّة التي تمكّنه من عيش رسالته في بيئته العربيّة. إنّ حياده عن الصراعات الإقليميّة والدوليّة هو في صلب ميثاق 1943، وميثاق جامعة الدول العربيّة، وسياسة لبنان الخارجيّة الرسميّة منذ 1943، وكلّ قرارات الأمم المتّحدة، وكلّ البيانات الوزاريّة منذ الإستقلال (راجع أنطوان مسرّة: الدولة والعيش معًا في لبنان، صفحة 28-31)”.
وأردف: ” عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة، والتحجّج بأسباب واهية غير مقبولة، وقد سمعنا مؤخّرًا من يشترط لإنتخاب الرئيس وقف النار النهائيّ في غزّة، كلّ هذه تعني القضاء على الميزات الثلاث التي ذكرنا. وهذا أمرٌ مُدان وغير مقبول على الإطلاق. ونكرّر أن من واجب المجلس النيابي، إذا كان سيّد نفسه، أن ينعقد وينتخب رئيسًا للجمهوريّة، فالمرشّحون معروفون وممتازون. أمّا ماذا يُخبّئ المعطّلون، فبات واضحًا من نتيجة الممارسة في ظل هذا الفراغ. نسأل الله أن يغلب نيات الحرب والشرّ والقتل والدمار والتعطيل، بسلامه الذيّ يبقى الأقوى، لأنّ السلام هو أنت يا ربّ. لك المجد والتسبيح، أيّها الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
بعد القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية للتهنئة بالاعياد.