حسمَ الرئيس سعد الحريري، في مقابلته التلفزيوينة أمس الاول، موقفه بتأكيد قراره الاستمرار في تعليق عمله السياسي في لبنان حتى تنجلي ظروف المنطقة عن تسويات معينة، يبدو انه يراهن على أنها آتية لا محالة وسيكون له دور اساسي فيها بالنسبة الى ما خصّ معالجة أوضاع لبنان من كل النواحي، وهو ما ألمَح إليه السفيران الاميركية ليزا جونسون والروسي الكسندر روداكوف خلال لقائهما به.
في جَوجلة لـ«الجمهورية» حول انطباعات زوّار الحريري من كتل نيابية وقوى حزبية وشخصيات سياسية مختلفة أمّت بيت الوسط، خرج الجميع بانطباع واحد مفاده انه متمسّك بقراره تعليق العمل السياسي. لكن تعددت الخلاصات والاستنتاجات. حيث وصف أحد الزوار زيارة الحريري لبيروت لمناسبة ذكرى استشهاد والده المرحوم رفيق الحريري، ولقاءاته مع بعض قياديي تيار المستقبل وكوادره، «بمَن يشبه رجلاً يتفقّد أرزاقه بعد غياب، فوجدها صالحة للزرع على أمل ان يزرع ويحصد في مواسم الخير المقبلة على لبنان والمنطقة». لذلك، فالعودة الى ممارسة العمل السياسي مرهونة بما سيحصل من تطورات إيجابية في المنطقة تنعكس بطبيعة الحال على لبنان.
وبحسب ما قال الزوار لـ«الجمهورية»: إنّ الحريري يرى انّ ظروف عودته الى العمل السياسي اليومي لم تنضج بعد، والمناخ القائم في لبنان والمنطقة لا يسمح بالمغامرة والعودة الى العمل السياسي في بلد منهار كُلّياً بل لا حياة فيه فعلياً، خاصة لجهة غياب الدولة واضمحلالها، ما دفعه الى البقاء خارج اللعبة السياسية اليومية لأنه لن يتمكن من إنتاج ما يفيد البلد. لكنّ الحريري اكد لزواره انه كان حريصاً خلال غيابه على متابعة اوضاع لبنان بكل تفاصيلها السياسية والامنية والاقتصادية. ما دفع بعض الزوار الى الاعتقاد انّه لا يريد ان يحرق نفسه في هذا الجو غير المساعد ويُفضّل ان تُتاح ظروف افضل تمَكّنه من العمل بإنتاجية. لكنه لم يُعطِ موقفاً جازماً ولا موعداً محدداً لنضوج التسويات الاقليمية التي تسمح بانفراجات في لبنان، ولا لنضوج عودته الى العمل السياسي. لكن كان هناك شبه تأكيد انّ عودته لن تطول.
لكنّ الحريري، يضيف بعض الزوار، لاحَظ «إيجابيات تمر بها المنطقة لجهة الحوارات والمفاوضات القائمة بين ايران والسعودية، وبين ايران والولايات المتحدة الاميركية». معتبراً انها «ستريح المنطقة اذا أسفرت عن نتائج ايجابية كما تفيد لبنان بالمحصلة الطبيعية، حتى لو أخذت وقتاً لتتبلور نتائج هذه الحوارات والمفاوضات»، لكنه يعتقد انّ «الوقت ليس لمصلحة لبنان لذلك يجب استغلال الفرص المتاحة لمعالجة ما يمكن من مشكلات».
وقد لمس الجميع تأكيداً وحرصاً من الحريري على ضرورة ايجاد طريقة او فرصة لخرق الجمود في الشغور الرئاسي ووجوب انتخاب رئيس للجمهورية بأقرب وقت حتى يستقيم عمل المؤسسات الدستورية وينتظِم. وهو قال ما مفاده «لا يمكن للبنان ان يستمر بهذه الفوضى الداخلية، لا سيما في ظل الظروف الاقليمية الصعبة القائمة، لذلك يجب معالجة ما يمكن من مشكلات قائمة».
وحول موضوع الاستحقاق الرئاسي ايضاً، لمس الزوار «انّ هناك مكانة خاصة عند الحريري لرئيس تيار المرده سليمان فرنجيه. وبَدا واضحاً دعمه له للرئاسة، من دون إغفاله وجود فرصة لدى قائد الجيش العماد جوزف عون».
وبالنسبة لوضع الجنوب والتوتر الحاصل، اشار بعض الوفود الى تطابق وجهة نظره مع نظرة الحريري «بتحميل «حزب الله» مسؤولية ما حصل، ليس في الجنوب فقط بل في لبنان عموماً، وانّ الحزب يتصرف بطريقة غير مسؤولة بينما يجب ان تكون المسؤولية مشتركة بين كل القوى لإخراج لبنان من الازمات». ورأى انّ التصعيد العسكري يضرّ أولاً بالمواطنين الجنوبيين.
الى ذلك لم تخلُ لقاءات الحريري و»بخاصة مع المقرّبين الخُلّص والاوفياء»، من استِذكار مآثر الشهيد رفيق الحريري وانجازاته، ومن مواقف وجدانية وعاطفية فَرضتها مناسبة الشهادة.