عن صورة “التيّار الوطني” التي تهاوت ورمت “أغصانها الضعيفة”…

الكاتب: منال شعيا

هي 15 دقيقة لفيديو مسجّل أطلّ عبره الرئيس ميشال عون عبر شاشة “التيار الوطني الحر” (أو. تي. في) “ليخرج” تداعيات فصل النائب آلان عون.

تكاد هذه الحركة، وحدها، تكفي للدلالة على أن ما اتخذ يُعدّ من المواقف “العنيفة”، بحق “تيار” والأهم بحق صورته الحزبية والتاريخية التي نالت نصيبها ما يكفي من شظايا قاتلة.

هو “موقف فصل” صُنّف من “العيار الثقيل”، واستدعى كل هذا “الإخراج الإعلامي – السياسي – الحزبي”، لعلّه “يبلّع” للجمهور والناشطين.
هكذا، أطل الرئيس عون ليشرح تداعيات الفصل، بعدما خرج قرار فصل آلان عون الى الإعلام، بشكل حزبي – رسمي. ولعلّ هذه الخطوة لم تتخذ من قبل، حين سبق أن صدرت قرارات فصل بحق ناشطين، وبعض الوزراء والنواب، فكان أن “استعان” رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بـ”الرئيس الفخري” للتخفيف من سهام قرار الفصل وارتداداته.

والأبلغ من كل ذلك، أن “الاستعانة” أتت على شكل فيديو مسجل، ليقال فيه ما يراد توصيله من رسائل، لا أكثر، فلا مجال للأخذ والرد والنقاش.
لعل مختصر ما قيل كان في تلك العبارة الحرفية التي قالها الرئيس عون: “دائماً في الشجرة، هناك أغصان ضعيفة وأخرى قوية، القوية تتركها تنجح وتكبر، والضعيفة يتم تشحيلها”.

هذه العبارة تعيد الى الأذهان تماماً ما سبق أن قاله الرئيس عون، حين فصل أيضاً أحد مؤسسي “التيار” نعيم عون، حين قال يومها “الجنرال”: “بعض الأغصان تسقط معك على الطريق”، كأنه يوحي أنها ليست من الجذور!
ولكن “كل الجذور” باتت الآن خارج الكادر الحزبي لـ”التيار”.

في الأهداف والمسيرة
في الرواية الرسمية لـ”التيار”، فإن البيان الذي أصدرته اللجنة المركزية للإعلام والتواصل واضح من حيث تفنيد ما سمّته “المخالفات”. هي خمس: “مخالفة آلان عون لقرار التيار في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 14/6/2023، رفض حضور جلسات مجلس الحكماء، رفض التقيّد بسياسات التيار وقراراته السياسية والتنظيمية والإعلامية، الامتناع عن حضوره اجتماعات الهيئة السياسية والمجلس السياسي ومخالفته النظام الداخلي للحزب”.

وعلى ضفة “التيار” لا كلام يقال بعد. فالبيان يكفي. ولعلّ “الاستعانة” بالرئيس عون أيضاً أكثر من كافية، بنظر أصحابها أو بنظر من أرادها “إطلالة إعلامية كافية ووافية”!، حتى لو كانت هذه الإطلالة تأخذ الكثير من رصيد رئيس سابق للجمهورية، وفي ظرف عصيب وحسّاس تمر به البلاد، وهي بغنى عن “الزواريب السياسية الضيقة”.

وعلى ضفة النائب “المنفصل” آلان عون، فالصمت سيد الموقف. لا تصاريح. لا بيان. لا ردّ. وإن كانت الإطلالة الإعلامية “المدروسة” واردة بالطبع، في قرارة نفسه، لكنها بالطبع، لن تكون من الإطلالات العابرة، بل يُفترض أن تسجّل في تاريخ “تيّار” بات غريباً عن صورته!

من هذه النقطة، يأتي قرار فصل آلان عون. وأي متابع أو قارئ لتطور مراحل “التيار الوطني الحر”، لا يمكنه إلا أن يضع قرار الفصل في محورين أساسيين: الأهداف والمسيرة.

في أهداف قرار الفصل، يُعدّ القرار الأخير، وإن لم يكن الأول، وربما لن يكون الأخير، من “القرارات القوية”، ما جنّد معه كل “هذه الماكينة الإعلامية في محاولة لتبريره”، وكل هذا الوقت، إذ مرّ نحو أربعة أشهر على الكلام الكثير الذي رُمي في الأوساط الإعلامية والسياسية عن نيّة جبران باسيل فصل آلان عون. انتظر باسيل، وأراد أن يوجّه ضربته في هذا التوقيت الحسّاس، و”استحضر” معه كل “الماكينة” المطلوبة.
هكذا، وضع القرار في خانة “القرار العنيف”.

في المسيرة، ضرب باسيل “بشحطة قلم” مسيرة تقترب من أربعين عاماً من نشاطها الحزبي، لا بل هي قبله في واجهة “التيار”، الحزبية والنيابية والسياسية، إذ إن آلان عون ممّن طبعوا “تاريخ التيار العوني”، يوم كان “التيار الوطني الحر” لا يزال ينبض بلغة شبابه ومبادئهم، والأهم بصورته.
“ربما تأخر آلان عون كي يخرج من التيار”، هكذا يردّد البعض، في دلالة على أن “التيار” “تشوّهت” صورته، في الصميم، ولم تتبدّل فحسب.

ماذا بعد؟
في قراءة “موضوعية – نقدية”، لمسيرة آلان عون، أمكن القول إن الأخير نجح حزبياً في تثبيت صورته، ونجح نيابياً في قضاء بعبدا التنوّعي، ونجح سياسياً في توثيق علاقات ودية وقوية بين مختلف الأفرقاء والأحزاب اللبنانية، إذ لطالما وُصف بأنه من نواب “تكتل لبنان القوي” الذي لا يقطع حبل التواصل مع أحد، حتى في عز الظروف العصيبة التي مرّت بها علاقة “التيار”، وتحديداً علاقة باسيل مع الأطراف الآخرين. كأنه بذلك “يحيّد” نفسه عن بعض الخط. فهو حجز لنفسه موقعاً نيابياً – تشريعياً ضمن هيئة مكتب المجلس، لأعوام، واستطاع أن “يميّز” نفسه قليلاً.

في الأساس، هذا ما أراده. كان يحرص على عدم تعميم صورة “التيار” “المتبدّلة” على جميع الأعضاء، إذ أصر على قول ذلك مرة في كلمته المعلنة أمام هيئة عامة لمجلس النواب، وفي خلال إحدى الجلسات التشريعية العامة، يوم كانت الحملة أكثر من شرسة وناقمة على نهج “التيار” وبدء تذوّقه “بؤر الفساد”!

ولكن، ماذا بعد كل هذا؟!
ثمة معلومات مؤكدة أن فصل عون سيستتبع “بتحركات”، في التوقيت المناسب لأصحابها. وهذه التحركات ستكون على شكل استقالات، إطلالات إعلامية واستمرار في الحياة السياسية لعدد من كوادر “التيار”، وثبات في المسيرة النيابية لعدد من النواب، وإن خارج التكتل.

وإن كانت العين بدأت منذ الآن تتجه نحو قضاء بعبدا انتخابياً، ففي نظر أصحاب “التيار”: “لا أحد إلا يُستبدل، والمسيرة مستمرة”. وفي نظر الكوادر المفصولين، فإن “حسابات باسيل الشخصية أقوى من حسابات استمرار التيار في مسار سياسي، حزبي ونيابي صحيح وسليم”، وكأنه يريد الى جانبه “صنفاً” معيناً من الوزراء والنواب والكوادر.

في الأساس، هذا ما بدأت تتضح صورته، منذ زمن، أو بالأحرى، منذ أن انغمس “التيار الوطني” في مسؤوليات وزارية ونيابية، ولاحقاً في أعلى سدة رئاسية للبلد، إذ كان “البروفايل” المطلوب لهؤلاء أكثر من واضح بنظر من بدّل صورة “التيار” الأولية. حتى أقرب المقربين ابتعدوا، يوم بات الرئيس في قصر بعبدا، فصلة القربى هنا لم تحم هؤلاء، فقط لأنهم قالوا حقيقة أزعجت الرئيس!

هكذا، تداعت “الأغصان”، الواحد تلو الآخر.
في الخلاصة، لم يكن حراك 17 تشرين الأول 2019، ضربة موجعة لجسم “التيار” وكادره المؤسساتي، خلال عهد رئاسي أخذ الكثير من رصيده، بل حصل الأمر قبل ذلك بكثير.

ولم يكن تاريخ 6 شباط 2006، أي حين وُقّعت “ورقة التفاهم” بين “التيار الوطني” و”#حزب الله”، الضربة الأولى لصورة “التيار”، بل وقعت الواقعة قبل ذلك بكثير.

ففي إحدى ليالي عام 2006، أي بعد أقل من عام على عودة “الجنرال المنفي”، يوم كان “العونيون” يناقشون أسس النظام الداخلي للحزب، وقعت الواقعة. يومها، أدرك عدد من الناشطين أن صورة “التيار” باتت غير تلك التي رسمها المناضلون، بحناجرهم وأقدامهم تحت شعار: “حرية، سيادة، استقلال”. يومها، كانوا يملؤون الساحات بنضال نظيف، شريف، مقابل لا شيء من المراكز والمناصب… بل مقابل الضرب والاعتقال والوجع، وفقط من أجل وطن أحبوّه… ولا يزالون!

باتت الصورة تختلف عن تلك التي رسموها، يوم كان القائد منفياً… ربما فوجئوا بها عن قرب… ولكن، يومها، قلة قليلة اعترفت وغادرت… ابتعدت… أرادت ان تحتفظ، في قرارة نفسها، بصورة جميلة من هذا النضال…

اليوم، بعد 18 عاماً، كأن السبحة تكرّ… في أقوى قرار فصل، حتى الآن، من حيث الرمزية والانتساب! وللقصة تتمّة…