سركيس كرم
دخلت المواجهة بين إسرائيل وإيران منعطفًا جديداً وغير مسبوق. فبعد الهجوم الإسرائيلي الواسع النطاق على منشآت نووية وعسكرية داخل إيران، جاء الرد الإيراني سريعاً وعنيفاً في تطور مفاجئ وخطير للغاية، ما وضع تل أبيب في موقف حرج عسكريًا وسياسيًا لا يبدو انها كانت تتوقعه، على الأقل بها الحجم.
اللافت ان الرد الإيراني بعدما تم استيعاب الضربات الإسرائيلية الأولى لم يكن هامشياً، بل بدا فعالاً وصادماً. مئات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة انطلقت وما زالت تنطلق نحو أهداف في مختلف المدن والمستوطنات الإسرائيلية، موقعة أضراراً جسيمة، ومظهرة قدرة إيران على تنفيذ هجمات مدمرة عبر استخدام صواريخ طورتها رغم العقوبات والضغوط.
الأهم من ذلك أنه وللمرة الأولى منذ عقود، تجد إسرائيل نفسها تحت وابل متواصل من الصواريخ والمسيرات من جهة دولة، لا من جماعات غير نظامية. فالدفاعات الجوية والقبب الحديدية، على الرغم من فاعليتها في معظم الحالات، لم تستطع صد جميع الهجمات الصاروخية والمسّيرة التي أصابت وتصيب العمق الإسرائيلي، ما أحدث حالة من الذعر في الشارع.
اما واشنطن فوجدت نفسها أمام اختبار صعب وما زال الدعم الأميركي لإسرائيل حتى الآن مقتصراً على الجوانب المعلوماتية والاستخباراتية، دون تدخل مباشر في المواجهة.
الأكيد ان الولايات المتحدة تتجه علانية نحو مضاعفة الجهود دبلوماسياً بغية إعادة ضبط الأوضاع، لكن في حال تصاعدت المواجهة إلى حد استهداف مصالحها في العراق أو الخليج، فإن الأمور قد تنقلب رأساً على عقب. وكذلك فإن الرئيس دونالد ترامب لن يقف مكتوف اليدين في حال بلغت اسرائيل مرحلة لم تعد تحتمل فيها، ليس فقط ضربات ايران المدمرة، وخاصة اذا نجحت في اصابة مواقع جداً استراتيجية، وإنما ايضاً في حال بدأ غضب الرأي العام الإسرائيلي على رئيس حكومته بنيامين نتنياهو ينذر بعواقب داخلية لم تكن في الحسبان.
من هنا، يسعى النظام الإيراني للصمود أطول مدة ممكنة، وتوجيه أقصى ما يقدر عليه من ضربات لإسرائيل بينما تأكد ان الحسم الإسرائيلي لن يتحقق بسرعة من دون الولايات المتحدة.
انطلاقاً من هذا التحول، يبدو برأي الكثير من المراقبين ان إيران أثبتت حتى الساعة أنها ليست مجرد هدف ضعيف، بل قوة عنيدة تمتلك أدوات الرد الموجع التي لم تتردد بإستعمالها الى حين تنفد ترسانتها.
وتبقى هذه الأسئلة الجوهرية معلّقة، هل اعتقدت اسرائيل أن الضربة الأولى ستكفي لإشعال انتفاضة داخلية تُسقط النظام الإيراني؟ وهل تلقت وعوداً بأن الردّ الإيراني سيكون محدوداً جداً؟ ام ان اسرائيل أستخفت بقدرة ايران على الرد بهذا الحجم؟
بغض النظر عن الأجوبة بات من المؤكد أنه، وفي نهاية المطاف، وضمن إطار الموضوعية، ستَميل كفة الميزان لمصلحة إسرائيل، وذلك لأسباب عدّة، أبرزها أن مخزون إيران من الصواريخ سيتقلص بشكل كبير، في ظل الحصار الذي يقيّد قدرتها على استيراد أو تصنيع الأسلحة. عدا عن ان ايران تفتقر الى دول “حليفة” قادرة على دعمها. فلا الصين في وارد المخاطرة، ولا روسيا في وضع مريح لتفعل.
في المقابل، تسيطر إسرائيل بشكل شبه كامل على الأجواء الإيرانية، وتتمتع بقدرة متواصلة على تعزيز ترسانتها الصاروخية والعسكرية عند الحاجة، من خلال الدعم الأميركي والأوروبي وغيرهما.
بمطلق الأحوال، سجلت إيران في هذه المواجهة سابقة تاريخية، إذ باتت أول دولة تُلحِق هذا القدر من الدمار الهائل بإسرائيل منذ تأسيسها.
الواضح أن الأيام القادمة ستحمل مزيدًا من المفاجآت في هذه الحرب التي قد لا تنتهي إلا بعودة سريعة الى المفاوضات، او بنفاد مخزون الصواريخ لدى طهران، او بسقوط النظام الإيراني من الداخل، او بتدخل أميركي مباشر لمصلحة اسرائيل!.