هل تميل أستراليا نحو الصين على حساب تحالفها مع الولايات المتحدة بقيادة ترامب؟

سركيس كرم

مع بدء زيارة رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي إلى الصين، للمرة الثانية منذ توليه رئاسة الحكومة عام 2022، تتصاعد الأسئلة حول موقع أستراليا في خضم التنافس المتصاعد بين بكين وواشنطن. وتزداد هذه التساؤلات تعقيداً في ظل وجود دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، المعروف بموقفه المتشدد من الصين، وحساسيته من الحكومات التي يعتبر انها ذات توجهات يسارية، كحكومة حزب العمال الأسترالي.

فهل هذه يعني ان أستراليا اليوم باتت تميل أكثر نحو الصين؟ وهل ستواجه تداعيات اقتصادية أو سياسية أكبر من قبل واشنطن؟ وما هو التأثير المحتمل على المواطن الأسترالي في ظل أزمة غلاء المعيشة؟

اذا أردنا المقارنة الموضوعية بما خص علاقات استراليا بالصين والولايات المتحدة، علينا الأخذ بالإعتبار ان الصين هي أكبر شريك تجاري لأستراليا اذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 312 مليار دولار في عام 2024. وعلى الرغم من مرحلة توتر شديدة بين 2020 و2024 في عهد رئيس الحكومة الأسترالية السابق سكوت موريسون، تخللتها قيود فرضتها بكين على الصادرات الأسترالية، فإن العلاقات التجارية تحسنت بشكل واضح وجذري في عهد ألبانيزي.

وزيارة ألبانيزي إلى الصين تهدف إلى ترسيخ هذا التحسن، وتأكيد التوجه نحو براغماتية اقتصادية، خاصة مع المكاسب التي جنتها القطاعات الإنتاجية الأسترالية في الزراعة والمعادن والتعليم.

اما بالنسبة للعلاقة مع الولايات المتحدة ورغم عمق التحالف الأمني التاريخي، فإنها تمر بمرحلة من التوتر الاقتصادي غير المسبوق في عهد ترامب. فالرسوم الجمركية الأميركية على الصادرات الأسترالية لا تزال قائمة بنسبة 10%، وهي تعبير عن نهج إدارة ترامب “أميركا أولًا” حتى تجاه الحلفاء.

وعلى ضوء زيارة ألبانيزي لبكين، تبرز مخاوف جدية من أن ينظر ترامب إلى هذا الانفتاح كتهديد للهيمنة الأميركية، وقد يلجأ إلى فرض رسوم إضافية أو توسيع القيود التجارية على المنتجات الأسترالية، فضلاً عن احتمال إعادة النظر في بعض أوجه التعاون الدفاعي أو الاستخباراتي، رغم أن ذلك يبقى غير مرجّح في المدى القريب.

في ظل هذه التحولات، يجد ألبانيزي نفسه في وضع صعب ودقيق لا يحسد عليه يتطلب الموازنة بين الحليف الأمني والخصم التجاري. ورغم تأكيده على التمسك بتحالف استراليا مع واشنطن، إلا أنه يدرك أن الاقتصاد الأسترالي لا يستطيع تجاهل الصين، لا كمصدر للطلب، ولا كسوق رئيسية للصادرات.

ويبدو ان استراتيجية ألبانيزي ترتكز على فتح قنوات تعاون اقتصادية مع بكين دون التفريط في التحالفات الغربية، بالإضافة الى العمل على تنويع الشراكات التجارية مع دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند لتقليل الاعتماد على طرف واحد.

واذا نظرنا بعيداً عن الحسابات التجارية والإقتصادية، هناك بُعد سياسي ينعكس على شكل العلاقة بين الطرفين ولا يتم تدواله في العلن كما يجب. فترامب، المعروف بعدائه الشديد لليسار التقدمي، يُظهر حساسية واضحة تجاه حكومة حزب العمال الأسترالي التي تمثل بنظره خطاً اجتماعياً بيئياً وحقوقياً يعارض توجهاته المحافظة.

وقد سبق له أن استخدم نبرة هجومية تجاه “اليسار الأسترالي”، واعتبره “ضعيفاً” أو “متواطئاً مع الصين”، في خطاب يعكس استياءه من حكومات لا تشاركه رؤيته الجيوسياسية والأيديولوجية.

الثابت ان أستراليا بقيادة أنتوني ألبانيزي، التي لا تحظى “بإعجاب” ترامب، لا تريد ان تنقلب على تحالفاتها، لكنها تسعى في الوقت عينه إلى تحقيق استقلال اقتصادي وسياسي يحمي مصالحها وسط بيئة “اميركية- ترامبية” يطغى عليها منطق “من ليس معنا فهو ضدنا”. وعليه يبقى السؤال: هل ستنجح محاولات ألبانيزي وجهوده في تجنيب استراليا كلفة التنافس العالمي بين الحليف التاريخي الولايات المتحدة والشريك التجاري الأهم الصين؟ أم أن فاتورة التنافس وتداعياته ستُدفع من جيب المواطن الأسترالي وتفاقم من أزمة غلاء المعيشة على كافة المستويات في استراليا؟