آن أوان التغيير في أسلوب التعاطي مع الناخب… دعوا البرامج تتكلم

سركيس كرم

مرةً تلو الأخرى، ندخل المعترك الانتخابي بنفس الأساليب وذات الخطاب الذي يتمحور حول الماضي بدلاً من التطلع الى المستقبل. ونخوض المنافسة برفع السقف من خلال مواقف متشنجة، تبادل اتهامات، تجريح شخصي، وصراع على الصوت الشعبي بأساليب لم تعد تجدي نفعاً مع الكثيرين. وكأن الساحة السياسية لم تستوعب بعد أن الناخب اليوم قد تغير، ولم يعد ذاك الذي يُحرّكه التجييش وتحد من رؤيته العصبيات أو تُخيفه التحديات وتجعله يتغاضى كلياً عن المحاسبة والمراجعة واعادة النظر.

لقد سئم المواطن الى حد كبير من المشاحنات السياسية الروتينية التي “تلهيه” عن مناقشة الخيارات والبرامج والأفكار وتبعده عن جوهر ومفهوم الإنتخابات وممارستها الديموقراطية الصحيحة.

ما يحتاجه الناخب هو برامج واضحة، ومشاريع وحلول ملموسة، ورؤى إنمائية واقتصادية تلامس يومياته وتخفّف من أعبائه على الكثير من الصعد الحياتية. وهو لا يحتاج الى جدالات سياسية لا تؤدي إلا الى تصعيد التوتر وتضاعف من منسوب الكراهية، ولا الى نكء الجراح ونبش سلبيات الماضي. إنه يبحث عن الأمل في كل ما هو أفضل لأولاده، وفرصة عمل تحفظ كرامته، وظروف معيشية تليق به وبعائلته.

والأهم ان الناخب لا يبحث فقط عن فكرة ما، بل عن من يشعره بالقرب من منطقته، من همومه، من تفاصيله اليومية.

والنتائج التي أفرزتها الانتخابات البلدية الأخيرة، وإن تكررت شكلاً في غالبيتها في الكثير من الأقضية اللبنانية، تحمل بين طيّاتها رسالة بليغة: الاستمرار في الخطاب التقليدي لن يحقق التقدم المنشود والتطور الحضري الذي طال انتظاره. الكيدية لم تعد تقنع، والتخويف من الآخر لم يعد يُجدي، واستعمال “العدو السياسي” كفزاعة انتخابية هو أسلوب عقيم مضى عليه الزمن.

ما نحتاجه اليوم هو تغييرات جذرية في الخطاب والأهداف، لا في السعي الى تجميع الأصوات بكل الوسائل والطرق. تغييرات تعيد للسياسة بريقها كخدمة عملية للناس والشأن العام، لا كساحة خصام لا تنتهي.

فلنضع التشنج جانبًا، ولندع الأفكار تتحدث. الخيارات الانتخابية اليوم يجب أن ترتقي إلى مستوى وعي الناس. فالرهان لم يعد على الانفعال، بل على الإقناع.

وهذا يحتم على الجميع الإصرار على الوعي، لا على التهويل. على البناء، لا الهدم.

وعلى المرشح أن يطرح برامج تنموية واقتصادية تقنع الناخب، وتجعله يميل إلى مصلحة من يخاطب عقله ووجدانه.

فالمحبة والرضا والإقناع هم السبيل الحقيقي لكسب الصوت والقلوب.