سركيس كرم
مع انطلاق جلسات البرلمان الأسترالي، يدخل رئيس الحكومة أنتوني ألبانيزي مرحلة مهمة جداً في مسيرته السياسية. ففوزه بأغلبية واضحة في الانتخابات الفيدرالية الأخيرة منحه ثقة وزخماً أكبر لدفع أجندته وتحقيق وعوده الإنتخابية، ومن بينها معالجة غلاء المعيشة وأزمة الإسكان وخفض ديون الطلاب، وهي ملفات تحظى بتأييد شعبي واسع. لكنه في الوقت ذاته، لا يمتلك الأغلبية في مجلس الشيوخ، ما يجبره على مواجهة معارضة إئتلافية لا بأس بها بقيادة سوزان لي ستسعى إلى مساءلته اقتصادياً ومحاسبته سياسياً بغية استعادة بعض التأييد الشعبي الذي خسرته.
ولإظهار الحزم الناجم عن انتصاره الساحق في الانتخابات الأخيرة، وجّه ألبانيزي تحذيراً صريحًا للائتلاف المعارض والأحزاب الصغيرة وللمستقلين للتعاون بتسهيل اقرار القوانين المطلوبة، مشددًا على أهمية احترام التفويض الشعبي الواسع الذي حصل عليه حزب العمال في الانتخابات الأخيرة، في خطوة يرى فيها أنصاره ضرورة لتمرير التشريعات، بينما يعتبرها خصومه ابتعاداً عن روح الممارسة الديمقراطية الصحيحة يصدر عن الشعور بثقة مفرطة. هذا التحذير سلّط الضوء على حاجة رئيس الحكومة إلى الموازنة بين تمرير مشاريع القوانين والتشريعات الضرورية والحفاظ على التقاليد البرلمانية العريقة.
وفي موازاة ذلك، يعمل ألبانيزي على ترسيخ دوره خارجياً عبر سياسة أكثر براغماتية. فقد حقق نجاحاً لافتاً في زيارته الأخيرة إلى الصين، حيث تم فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، مع إشارات إيجابية من بكين ترمي الى تعزيز التعاون الاقتصادي مع استراليا. هذا الإنجاز يمنح الحكومة متنفساً لمواجهة التضخم وضغوط الأسعار.
ورغم تحسن العلاقات مع الصين بشكل بارز، تظل العلاقات الخارجية غير مكتملة، إذ أخفق ألبانيزي حتى الآن في ترتيب لقاء رسمي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الثانية، وهو ما يثير تساؤلات حول مستقبل التحالف الأسترالي– الأميركي الذي يُعتبر ركيزة أساسية للأمن الوطني الأسترالي. هذا التقصير او النقص قد تستغله المعارضة لتصوير الحكومة بأنها تنزلق نحو محور الصين على حساب واشنطن، ما قد يحرج ألبانيزي ويضعه في موقف دفاعي.
ومع ان زيارته الأخيرة الى الصين والحفاوة التي أستقبل بها بدت وكأنها رسالة غير مباشرة موجهة الى واشنطن، فأن رئيس الحكومة الأسترالي يدرك انه عليه الحفاظ على توازن دقيق بين الصين كشريك اقتصادي استراتيجي وأميركا كحليف أمني لا غنى عنه، دون استفزاز أي منهما أو الانحياز لطرف على حساب الآخر.
إنها مرحلة اختبار لقيادة ألبانيزي وحكومته العمالية التي تحظى ب 94 مقعداً في البرلمان ولكنها لا تمتلك الأكثرية في مجلس الشيوخ، حيث سيتحدد ما إذا كان قادراً على الجمع بين الحزم “الأكثري” والدبلوماسية، وبين المتطلبات الداخلية والتوازن الدولي.
مما لا شك فيه أن رئيس الوزراء أنتوني ألبانيزي يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق وعوده، لا سيما تلك الهادفة إلى التخفيف من معاناة الأستراليين على عدة مستويات، وفي مقدّمها غلاء المعيشة وأزمة السكن التي جعلت من مدن أستراليا، وخصوصاً سيدني، من بين الأغلى عقارياً في العالم.
لكن، رغم هذه الجهود، يبقى ألبانيزي بحاجة إلى مزيد من التعاون الإيجابي على الصعيد الداخلي، بعيداً عن إصدار “التحذيرات”، إضافة إلى ضرورة تكثيف المساعي لترميم العلاقة مع الولايات المتحدة، الحليف التاريخي.
فقد أثبت الناخب الأسترالي غير المتحزّب مراراً أنه قادر على تغيير موقفه من مؤيد الى معارض بسرعة عندما يشعر أن طموحاته لم تتحقق كما ينبغي، والأمثلة على ذلك عديدة في مسار الحياة السياسية الأسترالية.