اقيم في بلدة مجدل المعوش قداس شكر على نعمة تطويب البطريرك اسطفان الدويهي ترأسه البطريرك الماروني بشارة الراعي يعاونه لفيف من المطارنة بحضور النائب السابق اسطفان الدويهي وحشد من الاهالي وتخلله ازاحة الستار عن تمثال للطوباوي الدويهي.
وقد القى البطريرك عظة جاء فيها:
1. نجتمع في هذا المساء هنا في بلدة مجدل المعوش، لنقدّم قدّاس الشكر لله على نعمة تطويب البطريرك الكبير مار اسطفان الدويهي، ولنكرّس تمثاله، فيكون مصدر نعم وبركات للذين يكرّمونه ويطلبون شفاعته.
فالطوباوي البطريرك مار اسطفان كان يتردّد إلى مجدل المعوش هربًا من مضايقات حكّام طرابلس في دير سيّدة قنّوبين، ومن الخلافات مع مشايخ كسروان في دير مار شليطا مقبس (غوسطا)، وكان يجد الراحة من كلّ هذه المضايقات في بلدتكم المضيافة. فأنشأ كنيسة مار جرجس، وتفقّد بلدات الشوف راسمًا كهنة، بانيًا كنائس، واعظًا بسرّ المسيح وبكلام الحياة، منقّحًا المخطوطات وكاتبًا العديد ممّا ترك لنا من مخطوطات تاريخيّة ولاهوتيّة وأسراريّة وليتورجيّة. فكان حقًّا “منارة علم وقداسة“، وكانت حفلة تطويبه بحجمه: بأعداد المشاركين على الرغم من اهتزاز الأمن، وبتنظيم الإحتفال، وبميزة المذبح الذي اتّسع لجميع الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات.
سنة 1603 زار البطريرك يوحنّا مخلوف مجدل المعوش وأنشأ فيها كنيسة السيّدة التي ترمّمت ثمّ سنة 1683 هرب الطوباوي البطريرك مار إسطفان الدويهي إليها، وبنى كنيسة مار جرجس التي رمّمتموها. وكان يزور مغارة مار إدنا، بين مجدل المعوش ووادي الستّ، بهدف الإختلاء. وكان يزوره المارّة للتبرّك. كان على علاقة ممتازة مع الحكّأم الدروز، وهنا بدأ بكتابه تاريخ الأزمنة.
2. وتبع احتفال التطويب قدّاسا شكر: الأوّل، في إهدن مسقط رأسه حيث ذخائر الطوباويّ محفوظة في كنيسة مار جرجس؛ والقدّاس الثاني، في الكرسيّ البطريركيّ في الديمان على مشارف وادي القدّيسين، والمقرّ البطريركيّ في قنّوبين، حيث سكن البطاركة حوالي أربعماية سنة من 1400 حتى 1840.
فيسعدنا أن نكون معكم اليوم لقدّاس الشكر الثالث، ولتبريك تمثال الطوباويّ البطريرك مار اسطفان الدويهي الذي تكرّم به السيّد روميو ياغي رئيس البلديّة ورئيس إتحاد بلديات العرقوب والحرف تكريما للمرحومين والديه
3. “بعض الحبّ وقع في الأرض الصالحة، فنبت وأثمر مئة ضعف” (لو 8: 8) .
يشبّه الربّ يسوع كلمة الله، في الكتب المقدّسة، بحبّة القمح. فكما الحبّة تحمل في جوهرها طاقةً للحياة ولإعطاء الثمار إذا وقعت في الأرض الطيّبة، ذات الماويّة، كذلك كلمة الله حيّة بحدّ ذاتها، وذات خصوبة روحيّة وأخلاقيّة وثقافيّة، إذا وقعت في عقولٍ توّاقة إلى المعرفة والإيمان، وفي قلوبٍ حارّة منفتحة على المحبّة والعطاء.
لا يمكن قبول كلمة الله إلّا بالعقل والإرادة والقلب، كأرض طيّبة، لكي تثمر في المؤمنين حياةً روحيّة وأخلاقيّة حارّة وفاعلة، وفي الجماعة ثقافةً وحضارة حياة تطبع بمضمونها الحياة العائليّة والإجتماعيّة، وثقافة الشعوب.
4. يحذّرنا الربّ يسوع من ثلاثة مواقف تجاه كلام الله:
أ. عدم الاكتراث بكلام الله وإهماله، المشبّه بوقوع الحبّ على جانب الطريق، فداسته الأقدام وأكلته الطيور.
ب. السطحيّة وفقدان الأصول والماويّة الروحيّة، المشبّه بالصخر الذي يقع عليه الحَبّ، فييبس للحال، ولأنّ لا رطوبة فيه تعطيه الحياة.
ج. الإنهماك بشؤون الدنيا، المشبّه بالحَبّ الذي يقع بين الأشواك فتخنقه، وتمثّل الإنهماكات والإنشغالات والهموم التي تخنق الكلمة وهي صوت الله.
5. تميّز الطوباويّ البطريرك مار اسطفان الدويهي بقبوله كلمة الله بعقله وإرادته وقلبه، منذ نعومة أظفاره ثمّ إكليريكيًّا وكاهنًا إثنتي عشرة سنة، وأسقفًا سنتين وبطريركًا طيلة أربع وثلاثين سنة (1670-1704). كان حريصًا على التأمّل في كلام الله الذي ولّد عنده الإيمان، وأنماه ورسّخه فيه بثبات الرجاء، وجعله في قلبه حضارة محبّة.
كان الطوباوي البطريرك إسطفان مقتنعًا بأنّ كلمة الله هي إبن الله الذي صار بشرًا، يسوع المسيح، وهو المخلّص والوسيط بين الله والناس. عنه يتكلّم يوحنّا في بداية إنجيله. فهو الله نفسه الذي يوحي ذاته بحبّ لجميع الناس: يتوجّه إليهم كأصدقاء، ويخاطبهم ليدعوهم إلى الدخول في الشركة معه لقبولهم فيها. كلمة الله هي إبن الله الذي يسبق الخلق، إذ به “كلُّ شيء كوّن، وبدونه لم يكن شيء ممّا كوّن” (يو 1: 3).
إذن، كلمة الله هي شخص يسوع المسيح، إبن الآب الأزليّ، الذي صار إنسانًا. هو حبّة الحنطة التي زُرعت في أرضنا وأثمرت، بموته وقيامته، فأعطت البشريّة الجديدة المتمثّلة بالكنيسة. ولذا، ليست المسيحيّة “ديانة الكتاب” بل هي “ديانة كلمة الله التي تُعلن وتُقرأ وتُقبل وتُعاش“. (راجع تإرشاد الرسوليّ للبابا بندكتوس السادس عشر: كلمة الله، 6-8).
6. كلمة الله تجمع وتوحّد، لأنّها تنقّي كلّ واحد وواحدة منّا من شوائبه، من مواقفه، من عتيقه، من عاداته، وتفتح عقولنا وإراداتنا وقلوبنا إلى آفاق جديدة. فهي، يقول بولس الرسول، “كسيف ذو حديّن” (عب 4: 11)، تزيل الشوائب وتخلق إنسانًا جديدًا.
فيا ليت كلّ مسؤول عندنا يعود إلى كلام الله، يسمعه، يتأمّل فيه، يسلّطه على ذاته، على مسلكه وأفعاله وتصرّفاته، فيجدّده ويحرّره وينعشه، مبدّلًا نظرته إلى الأمور. فيتساءل أمام وجدانه الوطنيّ: ما معنى عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة، لكي تنتظم الحياة العامّة في الدولة؟ فيستعيد مجلس النواب سلطته التشريعيّة ومساءلة الحكومة ومناقشة أعمالها؟ وتستعيد الحكومة شرعيّتها وصلاحيّاتها الدستوريّة كاملة؟ لا تستقيم حياة الدولة من دون رئيس لها: فهو وحده “يحلف بالله العظيم أنّه يحترم دستور الأمّة اللبنانيّة، وقوانينها، وأنّه يحفظ استقلال الوطن اللبنانيّ وسلامة أراضيه” (المادّة 50 من الدستور). وهو وفقًا للدستور “رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. ويسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه” (المادة 49). ألا نريد كلّ ذلك بالإحجام عن إنتخاب رئيس للجمهوريّة؟
7. فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، إلى الله لكي يعطينا جميعًا نعمة الإصغاء لكلامه، فيعود كلّ واحد وواحدة منّا إلى صوت ضميره، صوتِ الله في أعماق كلّ إنسان. له المجد والشكر الآن وإلى الأبد، آمين.