البطريرك الراعي رعى إطلاق كتاب البطريرك اسطفان الدويهي في بكركي

رعى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، حفل اطلاق كتاب “البطريرك اسطفان الدويهي والتراث الشرقي من الانطاكية الى اللبنانية” بقلم البروفيسور طانيوس نجيم ومقدمة رئيس الرابطة المارونية السفير خليل كرم.

الحفل الذي اقيم في مناسبة الاعداد للاحتفال بتطويب البطريرك  المكرم اسطفان الدويهي في الصرح البطريركي في بكركي بدعوة من رئيس وأعضاء المجلس التنفيذي للرابطة المارونية حضره الى الراعي ممثل الرئيس ميشال عون الوزير السابق بيار رفول، ممثل الرئيس امين الجميل الوزير السابق آلان حكيم، ممثل الرئيس ميشال سليمان الوزير السابق ناظم الخوري، المدير العام للأمن العام اللواء الياس البيسري، ممثل قائد الجيش العميد الركن ميلاد رفول، وحشد من الوزراء والنواب السابقين والمدراء العامين وفاعليات سياسية وعسكرية ونقابية وديبلوماسية ودينية واعلامية.

كرم

بداية النشيد الوطني، ثم كانت كلمة للسفير كرم قال فيها: “مرة جديدة تسعد كنيستنا المارونية بإنضمام أحد كبارها إلى لائحة الطوباويين على طريق القداسة. إنه المكرّم السعيد الذكر غبطة البطريرك اسطفان الدويهي، الحبر الملفان، المؤرخ الشامل والمدقق، الذي اماط اللثام عن تاريخ كنيستنا بأسلوب علمي بعيداً من الخرافات والأساطير، والحكايات التي تروى كابراً عن كابر، عدا كونه مطلق الحياة الرهبانية، وناظم شؤونها، وراعي آبائها الأوائل، وباعث تيارات الحداثة في الطائفة المارونية. فهذا الحبر الجليل كان من البناة البارزين لنهضة كنيستنا الانطاكية السريانية، وعراب التلاقح النوعي بين تراثها المشرقي، وبين نظيرتها الكنيسة اللاتينية، في محاولة لإحداث توازن مدروس بين روحية الطائفة المارونية وروحانيتها، ومنهجية الكنيسة الكاثوليكية التي وجدت ملاذها في الفاتيكان. لم يشأ لطائفته أن تذوب في الليتنة، ولا أن تبقى في جمود مدمر يقودها إلى التهميش، فالدمار. وهو من عكف على إصلاحات طقسية وتربوية وتعليمية أسّست لحركة التجديد التي توّجت بالمجمع اللبناني والمجامع التي تلت، على الرغم ما أحاط بهذه المجامع من آراء وتحليلات متناقضة ومتباينة، لا يزال بعضها سارياً إلى اليوم”.

أضاف: “كان البطريرك الدويهي حبراً مقاوماً في كل مراحل حياته عندما واجه الحماديين باغضاء من الولاة العثمانيين بثبات موقفه وعميق إيمانه، وشديد صبره، وطول اناته، كما تقاتل المقدمين بصلاته ورجائه، وابتهاله الدائم إلى الله ليجنب قطيعه الصغير شرّ الانقسام، وفي انتقاله إلى كسروان، فالشوف لم يبارحه الألم وهو يشهد تبدد رعيته ومكائد زعمائها وصراعاتهم المحتدمة دون هوادة. لكن إيمانه الكبير الذي ينقل الجبال من مواضعها، ونور فضائله، وسداد رأيه، وشعاع حكمته، وصلاته الدائمة، كانوا خير معين له في جبه الشدائد. وخلال لجوئه إلى الشوف، كان داعية حوار وتواصل بين مكونات جبل لبنان القديم، انطلاقاً من إيمانه برسالة السيد المسيح في قبول الاخر والحق في الاختلاف، وأولوية الإنسان الذي خلقه الله على صورته ومثاله”.

وتابع كرم: “نحن مدعوون اليوم لإستلهام سيرة الدويهي، وعظاته البيّنات وذلك لا يكون إلا بوقف حروب الإلغاء في حق بعضنا البعض، والإستهداء بقيّم الإنجيل، وتغليب التسامح على البغض والشحناء. وعلى اللبنانيين عموماً، والمسيحيين خصوصاً، والموارنة تحديداً، أن يكفوا عن سياسة النكايات، ونهج المكاسرة، والانغماس في المسائل الثانوية والهامشية، على حساب ما تقتضيه المصلحة العامة”، لافتا الى ان “ما يحصل اليوم في الوسط الماروني هو خطير جداً، وينذر بعواقب وخيمة أشد وطأة من العواقب التي حلّت بنا في العقود الأخيرة. وأن كل ما يجري يزيد الشباب إصراراً على هجرة وطنهم، ومساقط رؤوسهم، والكـفر بلبـنان، بسبـب التجاذبـات القـاسيـة بين الافرقاء الذين رفضوا وما زالوا يرفضون الاستماع الى كلمة الكنيسة، ونيافة الكاردينال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الداعي إلى الحوار والاتفاق على موقف واحد في مواجهة الاستحقاقات الداهمة التي تتمثل بالازمة الاقتصادية، وسرقة ودائع الناس، وهجرة الأدمغة والطاقات الشابة وما خلّفته من تراجع ديموغرافي مفجع، وعدم القدرة على انتخاب رئيس للجمهورية تنهض معه الدولة بمؤسساتها، الدولة التي يجب أن تستعيد سيادتها، ليكون لها الكلمة الفصل في القضايا المصيرية”.

وأردف: “فبإسم الرابطة المارونية نقول للقيادات: كفى، كفى، كفى، شدّ حبال لأن هذه الحبال، وإن وفرت أعناقكم، ولو إلى حين فأنها تشد على خناق الوطن. فانزعوا عنكم خلافاتكم، واتركوها جانباً وهلموا إلى كلمة توحد، وموقف يجمع بقيادة بكركي، يكون الأساس في بناء الوحدة الحقيقية التي ننشد”، لافتا الى ان “هذا الكتاب الذي أصدرته الرابطة المارونية عن البطريرك اسطفان الدويهي باللغتين العربية والفرنسية لمؤلفه عضو المجلس التنفيذي للرابطة البروفسور طانيوس نجيم، هو وثيقة برسم الأجيال المارونية وتعريفها بهذا الحبر العظيم الذي يسرع الخطى نحو القداسة، ليعلموا كم بذل السلف الصالح، وجدودنا الأبطال من عرق ودم ودمع من أجل أن نستحق وطنا”.

وختم كرم: “وها هو الوطن المستحق يواجه خطر الزوال – لا قدر الله- اذا لم نتعظ بسيرة الدويهي وتضحياته، وثاقب بصره وبصيرته من أجل العبور إلى لبنان الخليق بتاريخه وشهادة أبنائه الذين حبروا وثيقة حريته بقاني الدم عبر حقبات الزمن”.

نجيم

بعدها تحدث مؤلف الكتاب البروفيسور نجيم فقال: “من أين لي أن يحظى بعضُ نتاجي الفكري والأكاديمي، برضى بطريركٍ من العظامِ في تاريخِ كنيستِنا المارونية، يؤوِّنُ بالممارسةِ اليومية المقولةَ الأبديَّةَ: “مجدُ لبنانَ أُعطيَ له”، حضوراً ومواقفَ مشرّفةً، بجرأتِه وتجرّده وحِرصِه على الوطنِ وكيانِه وهويّتِه واستقلالِه المًحايدِ الإيجابي ورسالتِه الدهريةِ، بلا مساومةٍ ولا محاباة؛ فألف شكر لكم يا صاحب الغبطة على التفاتَتِكمِ اْلكريمة وتقديرِكم وتشجيعِكم الذي تكلّلَ بمقدمةٍ أغنتِ الكتابَ، وبركةٍ شرّفتْني وأضفتْ عليهِ نفحةً كنسية نعتزّ بها في العائلة التي ما برحتُم تغمرونَها برعايتكمِ اْلأبوية. قدّرنا الله دائماً على استحقاقِ رِضاكم. أخصّ بالشكر الرابطةَ المارونيةَ، رئيساً ومجلساً تنفيذيّاً؛ دعوا إلى هذا الإطلاق ولم يوفّروا أيَّ دعمٍ لإنجاحِ العملِ والاحتفال”.

أضاف: “أسردُ بدايةً قصتي مع المكرّمِ البطريرك إسطفان الدويهي، فخرِ الكنيسةِ المارونية، صانعِ نهضتِها الليتورجية والثقافية، وحافظ تراثِها الرهباني واللبناني المشرقي، ومخلّدِ تاريخها إلى أجيال فأجيال، مار إسطفان سليلِ الدوحة الدويهية الوارفةِ الظلال شفيعِها وقلبِها النابضِ الآنَ  وإلى الأبد؛ والابنِ البارِّ بإهدنَ معدنِ الرجال الرجال، واللؤلؤةِ المشعّةِ في لبنان الشمالي؛ وتلميذِ المدرسةِ المارونيّةِ في روما، المبدعِ والطليعي الجامعِ بين الأصالة الحقيقية والحداثةِ الريادية… أرشدني إليه، معلّمي الأب إسطفان صقر، اْستجابةً  لرغبةٍ أبديتُها في سبر أغوار الهوية والذات، واكتشافِ حقيقةِ مقدّساتِنا الروحيةِ والوطنية، والدفاعِ عنها بالقلم والفكر ونشرِها على الملا بالبراهينِ والبيّنات.  اطّلعتُ على معظم مؤلفاته فاغتنيتُ بها وأسكنتُه عقلي وقلبي. أيقنتُ على صعيدي الشخصي المجرّد، قبل أن ترفعَ كنيستُنا دعوى تطويبه إلى مجمع القديسين في روما، بأنه لا بدّ أن يكون قدّيساً؛ إذ لا مجالَ لأن يصنعَ إنسانٌ ما صنع، بحثاً وتأليفاً، وعظاً وتنويراً وريادةً روحية وأدبية، ما لم يكنْ ملهَماً من الله، خارقَ القدراتِ الدينيةِ الروحية،  والفكريةِ الثقافية، محصّناً بأخلاقٍ مثاليةٍ وشخصيةٍ استثنائيةٍ فائقة، ما إنِ اختمرتْ طروحاتُه في قرارةِ نفسي حتى أزهرتْ أطروحة بعنوان:  Le concept de Maronité chez le Patriarche Duwayhi نشرتها جامعة الروح القدس مشكورةً في ثلاثة كتب بعنوان المارونية الدينية، والسياسية-الاجتماعية، والثقافية”.

وتابع نجيم: “أمضيتُ بصحبتِه سحابةَ نصفِ قرنٍ حتّى الآن، متعايشاً مع أفكاره التي لا تزال تختمر في معجني: تروي ظمئي إلى العطاء  والحق. أستدررْتها مداداً لقلمي، فأثمرتْ كتابَيْن آخريْن. الأول: Le Patriarche Duwayhi maître de pensée et de vie ؛ والثاني: الوادي المقدّس في حياة الدويهي وكتاباته، ما زلتُ استلهمُه نثراً وشعراً؛ تحضرني إيحاءاتُه، في كلِّ آونةٍ، في التفكير والتعليم والإشراف على رسائل جامعية، في خلوات التأمل والرياضات الروحية  والصلوات؛ في المقالات الصحافية والمقابلات الإذاعية والمتلفزة ؛ في المحاضرات والندوات على أنواعها في لبنان وفرنسا والمانيا. مؤخّراً، تبيّنت أن مغرضين ما انفكوا يرشقونه بسهامِهم، زاعمين أنه عَمِلَ على “ليتنة” الطقوسِ المارونية، وتغريبِ الطائفةِ عن أصالتها الشرقية، وفرضِ التبعيةِ الغربيةِ على أبنائها. دفعني هذا الافتئاتُ على الحقيقةِ إلى إظهارِ تعلّقِه الثابتِ بتراثِ كنيستِه الشرقي وأصالتِها الصافية. لا، لم يسْعَ الدويهي إلى أيّ ليتنة: هو الذي رفضَ مغرياتِ البقاءِ في روما والعمل في أوروبا، كما رفض الذهابَ إلى الهند لإنشاءِ مرسليّةٍ فيها، مفضّلاً التكرّس الكلّي لكنيسته، ولموطنِه لبنانَ ومحيطِه المشرقي. فكان هذا الكتابُ الذي نطلقُه اليومَ برعايةِ صاحبِ الغبطة والنيافة  Le Patriarche Estéphan Douwayhy et le patrimone oriental, de l’Antiochéité à la Libanité ؛ وقد دبّرتِ العنايةُ والدويهي أن أنهيَ ترجمتَه العربية فتُطلَقَ نسختُه العربيةُ اليومَ أيضاً”.

وأردف: “الهدفُ واضحٌ بيّنٌ من العنوان: “البطريرك إسطفان الدويهي والتراث الشرقي، من الأنطاكية إلى اللبنانية”. أجل، أنجزَ الدويهي نهضةً شاملةً على الصعيدِ الماروني. باتتِ الأحداثُ والمؤلفاتُ، تُحدّدُ بما قبلَ الدويهي وما بعدَه؛ فصل بين ماضٍ مبعثرِ المعالمِ، وحاضرٍ غنيِّ التراثِ بيِّنِ الهويّةِ جامعٍ بين نقاوةِ الأصالةِ الشرقية، تجذّراً ومحتوى، والانفتاحِ على الحداثةِ الغربية، تطويراً منهجيّاً وتثقيفاً طليعيّاً. الأصالةُ والحداثةُ تتفاعلان وتتكاملان في تراثنا؛ نقّاه الدويهي، وأنهضه وأغناه وطوّره، دونما تخلٍّ عن مكوّناتِه الأساسيّةِ والبنيوية. من هنا تصميمُ الكتاب في ثلاثةِ أقسامٍ، كلٌّ منها في ثلاثةِ فصول. القسمُ الأول،التزامُ الدويهي بالتراثِ الماروني. والثاني، التراثُ الشرقي في كتاباتِ الدويهي؛ والثالث، بلورةُ التراثِ الشرقي في اْختياراتٍ طليعية، منها الجمعُ بين الأصالةِ واْلانفتاح، وتطبيقُ “العيشِ معاً” شراكةً مع الدروزِ والمسلمين، وأخيراً تحصينُ الطائفةِ والوطن بثقافةٍ طليعيةِ رائدة، وتعزيزُ التعليمِ وتعميمِه، واعتمادُ اللغةِ العربيّةِ إلى جانبِ السريانية، دونما إغفالٍ لإتقانِ لغاتٍ أجنبية، بلوغاً إلى تثبيتِ مقوّماتِ الهويّةِ المارونية : الانتماءِ إلى الأنطاكيّةِ والسريانيّةِ والكثلكةِ واللبنانيّة. يؤمّنُ الكتابُ  المعلوماتِ الضروريةَ، عنِ الطوباوي العتيد؛ ومن خلالِه، عن الكنيسةِ المارونية وبطريركيّتِها الضامنَةِ للتجذّرِ في الشرقِ الأصيلِ وللتطوّرِ بمواكبةِ الحداثةِ الغربيّةِ وابتكاراتِها السبّاقة. يا لَلْحرصِ على الأصولِ، واْلإنفتاحِ، في الداخلِ على المكوّناتِ اللبنانيةِ بصدقِ الشراكةِ، وفي الخارجِ، على العالمِ بأسرِه وكلِّ إنسان”.!

وقال: “في هذا الإطارِ الكنسي، واكبْتُ بشغفٍ وإيمانٍ ورجاء مسارَ دعوى التطويب. تشرّفْت بتعييني عضواً في اللجنةِ التاريخية لإعداد التقرير الخاصّ بملفّ الدعوى؛ وتالياً، بتعييني، في عدادِ مؤسّسةِ  الدويهي البطريركيّة المكلّفةِ بمتابعةِ القضية. أغتنمُ الفرصةَ لأتقدّمَ بالشكرِ إلى الربِّ بدايةً على عنايتِه التي دبّرتِ الأمورَ وسدّدتْ خطاي منذ مطلعِ عمري الأكاديمي إلى مآثرِ البطريرك إسطفان الدويهي وكنوزِه التي تفوقُ كلَّ ثمن. وأخصُّ بالشكر مكرَّراً: صاحبَ الغبطةِ والنيافة على رعايتِه هذا الحفلَ ومشاركتِه الشخصيّةِ فيه. وأنوّهُ بإحاطةِ رئيسِ الرابطةِ المارونية سعادةِ السفير خليل كرم وتشجيعِ الإخوةِ الكرامِ في المجلسِ التنفيذي؛ كما أحيّي جهود مؤسسة الدويهي البطريركية، ولاسيّما [رئيسها سيادة المطران جوزاف نفاع ونائب الرئيس الأستاذ المعطاء جوزف رعيدي، و] محرّكَها  وقلبَها الفاعلَ الناشط المونسنيور إسطفان فرنجية. كل الشكرِ لسائر الفعاليات الروحية والرسمية والإعلامية ولحضورِ جميعِ الأصدقاءِ الأعزّاء”.

وختم بأبياتٍ سوف تُرنّمها المُبدعة ليال نعمة مختارةٍ من قصيدة  أعددتُها للمناسبة بعنوان: إسطفان الرائد:

يا إسطفانُ المثالَ العالمَ العلمَ                         ناداكَ  ربُّ الفدى لبّيْتَ ملتزما

إشفعْ بنا في السما، أنقذْ لنا وطنَ                    اْلأرزِ اْكتوى بالفسادِ الحاكمِ اْنهدمَ

يا إسطفانُ اْصطَفاكَ اللهُ في صِغَرٍ         حَباكَ دَفْقاً نُبوغاً مُشبَعاً نِعَما
قَصَدْتَ روما طَموحاً حالِماً وَرِعاً                أَشْبَعْتَ فيها النبوغَ الرَحْبَ والحُلُمَ

ثقافةً غَضَّةً، مضمونُها دُرَرٌ:                     لاهوتُ حبٍّ يُرَقّي الخُلقَ والذِمَمَ

مِنْ مَرْيَمَ اْحتجت نوراً شافياً فَغَدا                في مُقْلَتَيْكَ وفي الأبْحاثِ مُضْطَرِما

لُقِّبْتَ بالإهْدِنِيِّ؛ اْلأصْلُ مَفْخَرَةٌ؛          يا سَعْدَ إهْدِنَّ باْلأَبْطالِ والنُجُمِ
يا شَمْخَةَ اْلرَأْسِ كالْأَرْزاتِ باسِقَةً؛              عِطْرُ اْلقداسَةِ أسمى مَوْقِعٍ شَمَمِ

طوباكَ عنْوانَ مَجْدٍ مُشْرِقٍ أَبَداً                  يُغْني الجماعَةَ، رَمْزَ اْلعِلْمِ واْلشِيَمِ.

قَدِّسْ بَنيكَ وَصُنْ لبنانَ رَوّاداً                    بالخيرِ والحقِّ واْلآياتِ والقِيَمِ .

طوباكَ عَلاَّمَةً، قابَلْتَ مُقْتَنِعاً            باْلرَفْضِ عَرْضَ اْلبَقاءِ اْلواعِدِ اْلرَفِدِ
آثَرْتَ جَدّاً رَعائِيّاً بِمَوْطِنِكَ                      على عُروضِ اْلغِنى والجاهِ والرَغَدِ

باْلعِلْمِ عُدْتَ تُرَبّي اْلنَشْءَ جوّاداً                 تُحْيي تُراثاً وَتاريخاً مِنَ اْلَكَسَدِ.

نِبْراسَ فِكْرٍ وَتَفوى، كاهناً مَثَلاً،                جُبْتَ الرَعايا رَسولاً بالهُدى اْلغَرِدِ

أرْشَدْتَ شَعْباً إلى اْلإيمانِ؛ قدَّرَكَ       اْلمُوَحِّدونَ وَلِيّاً، والْبَنونَ أَبا
يا رائداً مُلْهِماً لِلعَيْشِ في وَأَمٍ،                  طوباكَ رَمْزَ اْنفِتاحٍ عِنْدَنا قُطُبا

شِئْتَ الْأُخوَّةَ في الْشَهْباءِ جامِعَةً               كلَّ البرايا وَطُلاّبَ الهدى رَحَبا

فاجْمَعْ على حُبِّ لبنانَ الْجَميعَ معاً؛           أَجْمِلْ بِهِ العيشَ حُبّاً دافِقاً سَكَبا

في قُبْرُصٍ كُنْتَ حَبْراً أُسْقُفاً بصِراً    أَطْلعْتَ أَبْناءَ مارونٍ على دُرَر
أَحْيَيْتَ فيهِمْ تُراثاً حافِظاً نمِراً؛                رَسَّخْتَ إيمانَهُمْ بِالْأَصْلِ والأُسَر

بالخيْرِ بَشَّرْتَنا، كاروزَ مُعْتَقَدٍ،                عِشْتَ الفَضائِلَ مِنْهاجاً مَدى العُمُر

سَبَرْتَ أَزْمِنَةً، بالقُدْسِ جُدْتَ، إلى            اْلأعْماقِ غُصْتَ، خلِّصْ موطنَ القَمَرٍ

 

يا مَرْجِعاً عِنْدَنا، عِلْماً وَتَأْريخاً،     بَحّاثَةً، مُرْسَلاً، أفضالُكَ صَبَبُ
أَبْرَزْتَّ كَنْزاً طُقوساً، أنت حافظُها؛         إنْ مورِسَتْ، ثروةٌ تَبْني وتُحْتَسَبُ

طوباكَ، يا بطريركَ الْخَيْرِ، قُدْوَتَنا،        آثارُكَ إرْثُ تَقْديسٍ، لنا نَسَب

دَيْنٌ عَلَيْنا مُلِحٌّ، أنْتَ قائدُنا،                 عِلْماً، تُقىً، قِيَماً في الأرضِ تُكتَسَبُ.

الراعي

ثم كانت كلمة راعي الاحتفال البطريرك الراعي الذي رحب بالحضور قائلا: “يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا في هذه المناسبة الجميلة، وهي إطلاق وتوقيع كتاب البروفسور طانيوس نجيم عن المكرّم المعلن الإحتفال بإدراجه في سجلّ الطوباويّين في 2 آب المقبل في هذا الصرح البطريركيّ، عنوان هذا الكتاب:Le Patriarche Estéphan DOUAYHY et le patrimoine oriental.

De l’Antiochéité à la Libanité، وقد أصدرته مشكورة الرابطة المارونيّة، وقدّم له رئيسها السفير خليل كرم. يأتي هذا الكتاب القيّم في ظرفه المنشود ليشكّل أحسن مرجعٍ علميّ عن شخصيّة المكرّم البطريرك اسطفان الدويهيّ الوهاجة قداسةً، وعن إرثه الكبير المتفوّق على أيّ إرثٍ آخر”.

أضاف: “هذا الكتاب بصفحاته ال 271 حسب النصّ الفرنسيّ يقدّم لنا في ثلاثة أقسام كبيرة شخصيّة البطريرك وفضائله وميزاته ونشاطاته الراعويّة ونتاجه الفكريّ. يرسم لنا في القسم الأوّل شخصيّة البطريرك الدويهي؛ في القسم الثاني، يحصي نتاجه ومؤلّفاته التاريخيّة والليترجيّة والروحيّة، ونواحيها المتنوّعة؛ في القسم الثالث، يفتح آفاقه البعيدة على ثلاثة: العلاقات مع الدروز والشيعة، العيش المشترك مع الإسلام، التعليم والتربية والنهضة العربيّة. نودّ أوّلًا أن نقدّر كلّ التقدير عزيزنا البروفسور طانيوس نجيم على هذا الإنجاز الكبير، لأنّ البطريرك اسطفان الدويهيّ بحرٌ من القيم الروحيّة والكنسيّة، ومن النتاج الفكريّ المتفوّق على أيّ نتاج آخر. لست أدري إذا كان بإمكان أحد أن يقرأ شخصيًّا على مدى حياته ما كتب هذا البطريرك الكبير. بل يتم ذلك بتوزيع هذه القراءة مع الدراسة المتأنيّة على مجموعة من الباحثين. فإنّهم أمام أربعة تراثات لولاها لما كانت كنيستنا المارونيّة على ما هي عليه اليوم من الغنى الروحيّ والتاريخيّ والليترجيّ والفكريّ”.

وتابع الراعي: “إن نتاج هذا البطريرك الكبير، الذي يفوق جميع البطاركة ممّن هم قبله ومّمن هم بعده، يتوزّع على أربعة:

  1. المؤلّفات التاريخيّة.
  2. المؤلّفات الليتوجيّة.

3 المؤلّفات المتنوّعة وفيها الفلسفيّة واللغويّة والإقتصاديّة والمترجمة.

  1. المراسلات، وتكريس الكنائس، والأحكام القضائيّة، ورسائل متنوّعة. لذا، يُعتبر بالإجماع البطريرك اسطفان الدويهيّ الإهدنيّ أعظم بطريرك في الكنيسة المارونيّة، بعد البطريرك الأوّل القدّيس يوحنّا مارون، ويعتبر المرجع الأكثر ثقة بين الذين كتبوا في العهد العثمانيّ، وهو أبو تاريخ لبنان المعاصر، وتاريخ الكنيسة المارونيّة في الحقبة السابقة، ومن أكبر روّاد النهضة الفكريّة في الشرق.

وأردف: “وُلد اسطفان بتاريخ 2 آب 1630 في إهدن، مدينة البطاركة والأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين ورجالات الدولة والفكر والسياسة. تيتّم بوفاة والده وهو بعمر ثلاث سنوات. اُرسل إلى المدرسة المارونيّة في روما سنة 1641 وهو بعمر 11 سنة. قضى في المدينة الخالدة 14 سنة، حيث كان ينمو بالتقوى والعلم جاهدًا نفسه من دون حدود، حتى فقد النظر وأُصيب بالعمى، وشُفي بأعجوبة من العذراء مريم التي توسّل إليها بثقة الإبن. في رومية كان لامعًا في العلم والفضيلة. عاد إلى لبنان، رافضًا إغراءات التعليم في جامعات أوروبا، وسيم كاهنًا في 25 آذار 1656 بوضع يد البطريرك يوحنّا الصفراويّ (1648-1656). وراح يتفانى في تعليم الأولاد والوعظ والإرشاد وسماع توبة المؤمنين. توزّع نشاطه التعليميّ والراعويّ والإرشاديّ في حلب مرتين حيث أمضى خمس سنوات، وقام فيها بعمل مسكونيّ مكثّف. ثمّ خدم في جعيتا لمدّة سنة، وفي رعيّة أرده لسنة أيضًا. وعاد نهائيًّا إلى لبنان. وبعمر 38 سنة انتُخب مطرانًا لجزيرة قبرس (8 تمّوز 1668)، وبعد سنتين (12 نيسان 1670).انتُخب بطريركًا خلفًا للبطريرك جرجس السبعلاني وهو بعمر 40 سنة”.

وأضاف: “واجه انتخابه اعتراضات ومعاكسات من مختلف الجهات، وبعضها من مطارنة إلى أن تسلّم درع التثبيت من قداسة البابا كليمنضس العاشر في 8 آب 1672. وقد تحمّل مع أبنائه الموارنة الإضطهادات ما اضطّرّه إلى مغادرة كرسيّه في قنّوبين واللجوء إلى دير مار شليطا مقبس في غوسطا، فإلى مجدل المعوش. كما كان يلتجئ إلى أمكنة آمنة كالمغاور والمناسك تارةً في أعالي الجبال، وتارةً في عميق الوديان، من أجل حماية القطيع، عملًا بقول الإنجيل: “إضرب الراعي فتتبدّد الرعيّة” (مر 14: 27). دامت خدمته البطريركيّة 34 سنة مليئة بالنتاج المتنوّع الذي ينقله بالتفصيل البروفسور أنطوان نجيم في كتابه. وكانت وفاته برائحة القداسة بعد مرضٍ طارئ في دير قنّوبين في 3 أيّار 1704، تاركًا لأبناء الكنيسة المارونيّة وبناتها، إكليروسًا وعلمانيّين الروحانيّة التي تنعش حياتهم. ونجدها مفصّلةً في الفصل الثالث من هذا الكتاب. وقد تميّزت شخصيّة البطريرك اسطفان الدويهيّ بحامل الرسالة الإنجيليّة في هذا الشرق، ورجل الله المكرّس له، ورجل الصلاة الذي يضع نفسه جسدًا وروحًا في حضرة الله، المنعكف على التأمّل بالكتاب المقدّس، الطابع حياته بالزهد والتقشّف، الرافض الخضوع للمال والفساد، والمتّصف بالشفافيّة والأخلاقيّة (راجع الصفحات 90-99)”.

وختم الراعي: “هذا هو الإرث الروحيّ الذي يتركه لنا البطريرك إسطفان الدويهي الذي سنحتفل بتطويبه في 2 آب المقبل. عضدنا الله بصلاته”.

وتخلل الاحتفال ترانيم دينية للسيدة ليال نعمة، بعدها منح البطريرك الراعي البروفيسور نجيم وسام مار مارون عربون شكر وتقدير، وقدمت مؤسسة البطريرك الدويهي لنجيم لوحة البطريرك الدويهي تقديرا لجهوده وعمله خلال الفترة الماضية في المؤسسة.