قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي: تحتفل الكنيسة ليتورجيًّا في هذا الأحد بذكرى زيارة مريم لبيت إليصابات. في البشارتين لكلّ من زكريا ومريم، تكلّم الله وأصغى الإنسان. أمّا في زيارة مريم، فتكلّم الإنسان وأصغى الله. إنّه سرّ الشركة والمشاركة. الله يدخل في شركة اتّحاد مع البشريّة بتجسّد الكلمة الإلهيّ يسوع المسيح، ويُشرك الإنسان، كلّ إنسان بخيرات نعمه وبركاته. والإنسان يدخل في اتحاد مع الله، بشخص مريم التي قدّمت له كلّ ذاتها. من هذه الشركة الإتحاديّة مع الله تنبع شركة الوحدة بين جميع الناس.
وأضاف البطريرك الراعي في عظة اليوم الأحد تحت عنوان “مباركة أنت في النساء … فقالت مريم: تعظّم نفسي الربّ” (لو 1: 42 و 46): يحتفل العالم بتاريخ اليوم باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصّة. وإذ نرحبّ بكم جميعًا في هذه الليتورجيا الإلهيّة،نوجّه تحيّة خاصّة لرابطة Cross Road-درب الصليب؛ هذه الرابطة تضمّ مصابي الحرب في المقاومة المسيحيّة، المعروفين “بالشهداء الأحياء”. وهم رفاق الذين حملوا صليبهم حتى الموت والشهادة؛ ويقولون: “بقينا نحن لنسير معًا بقلوبنا وإيماننا ورجائنا حاملين صليبنا نحو الهدف، وهو حماية وطننا وشعبنا وقيمنا”. تعنى هذه الرابطة بتأمين حاجات ذوي الإحتياجات الخاصّة في منازلهم من أدوية وسواها.
هؤلاء “الشهداء الأحياء” يحييهم شعور التحدّي للتغلّب على الإعاقة والعجز؛ وشعور المشاركة بآلام وأحزان الآخرين الذين توحّدوا معهم في الجرح والألم. قلّة هم ولكن الشعلة في داخلهم عظيمة، شعلة الوفاء، شعلة العطاء والتضحيات والأثمان المدفوعة حفرًا في أجسادهم. لم يهزموا، لم يرتدوا إلى هوامش المجتمع يأسًا أولامبالاة، أمانةً للتاريخ والتضحيات. إنّهم علامة من علامات صمود الروح تمامًا كما الشهداء. بهذه الروح قرّروا خلق إطار نضاليّ لتأمين الإستمراريّة وإكمال الرسالة جيلًا بعد جيل، فكانت رابطة Cross Road (درب الصليب).
وأضاف: لقد أسفنا وتألّمنا لإنتهاك الهدنة في غزّة، والعودة إلى حرب الهدم والقتل والتهجير، وتحميل الشعب البريء الآمن نتائج حرب التدمير والإبادة. فما معنى الهدنة الإنسانيّة التي دامت أربعة أيّام، وكانت النيّة استعادة الحرب الضروس بعد استراحة؟ يا لقساوة قلب البشر البعيد عن الله. لا أحد في لبنان يريد امتداد الحرب إلى الجنوب، إلى أهلنا اللبنانيّين الآمنين هناك. فإذا امتدّت إلى الجنوب، لا أحد يعرف أين تتوقّف وماذا تخلّف وراءها من دمار وضحايا. فلنصلِّ إلى الله كي يبعدها وليكن المسؤول أكثر حكمة وفطنة.وتواضع ودارية. فلا يمكن ان يُرغم اللبنانيون على حرب لا علاقة لهم بها.
سماع وتأمّل ونطق. هذه الكلمات الثلاث تنكشف لنا بين البشارتين لزكريا ومريم، وزيارة مريم لإليصابات: السماع لكلام الله، والتأمّل بمضمون هذا الكلام ومعناه، والنطق من وحي الكلام الإلهيّ بالقول والفعل وتمجيد الله.
عندما نقل الملاك جبرائيل كلام الله وإرادته وتصميمه لكلّ من زكريا الكاهن زوج اليصابات، ومريم عذراء الناصرة المخطوبة ليوسف، أصغيا وتأمّلا طويلًا.
ولـمّا زارت مريم نسيبتها إليصابات الحامل بيوحنّا في شهرها السادس، وأسرعت من الناصرة إلى عين كارم عبر الجبال والوديان والسهول لمساعدة أليصابات حتى مولد يوحنّا، كان النطق الموحى من الكلام الإلهيّ.
وقال: لا يظنّن أحد ولا سيما الذين في السلطة أو هم من أصحاب النفوذ السياسي، أكانوا برلمانيّين أم وزراء أم رؤساء كتل أو أحزاب، أنّهم بغنى عن ثلاثيّة السماع والتأمّل والنطق. فلو عاشوها لما بلغنا إلى حالة البؤس التي أوصلوا إليها الدولة والشعب وقوانا الحيّة والمؤسّسات.
فالسماع هو لصوت الله عبر كلامه في الكتب المقدّسة، ومن خلال صوته الداخلي بالضمير الأخلاقي والوطني. والتأمّل هو إدخال الصوت الإلهي إلى أعماق النفس والقلب، كما كانت تفعل العذراء مريم أمّ يسوع، إذ “كانت تحفظ الكلمات والأحداث في قلبها وتتأمّل فيها” (لو 2: 19، 51). والتأمّل يقتضي الخروج من الذات ومصالحها وحساباتها الخاصّة، وتوسيع مساحة النظر إلى المصلحة الأشمل، إلى الخير العام، إلى خير الوطن وجميع المواطنين. والنطق هو التعبير الكلاميّ البنّاء، وترجمة كلام الله وصوت الضمير ونتائج التأمّل في الأفعال والمبادرات.
وتابع: نحن نصلّي لكي يدرك المسؤولون عن مصير الدولة والشعب، أنّهم ملزمون بثلاثيّة السماع والتأمّل والنطق. وهي الطريق الوحيد لخروج كلّ واحد منهم من شرنقة مصالحه وحساباته، وللتلاقي بروح المسؤوليّة الوطنيّة من أجل التباحث في أسباب التعثّر واللاثقة المتبادلة، على أن يتخلّى كلّ فريق عن مشاريعه على حساب لبنان أرضًا وشعبًا ومؤسّسات.
وقال: إنّ أولى ثمار “السماع والتأمّل والنطق” هي التوجّه الفوريّ إلى البرلمان وانتخاب رئيس للجمهوريّة عبر دورات متتالية يوميًّا وفقًا لمنطوق المادة 49 من الدستور. إنّ عدم انتخابه وإقفال القصر الجمهوري منذ سنة وشهرين تقريبًا جريمة موصوفة آخذة بهدم المؤسّسات الدستوريّة والإدارات العامّة وانتشار الفوضى والفساد وتشويه وجه لبنان الحضاري. إذا تكلّمنا من باب القانون وروحه وفلسفته منذ الشرع الروماني إلى اليوم، كلامًا منزّهًا عن السياسة ومصالحها الخاصّة، نقرّ بأنّ القوانين تُعلّق بقرار من السلطة المختصّة بسبب الظروف القاهرة منعًا لنتائج قد تكون وخيمة، فنقول: يجب في هذه الحالة عدم المسّ حاليًّا بقيادة الجيش،بل تحصين وحدته وتماسكه، وثقته بقيادته، وثقة الدول به. فالجنوب اللبناني متوتّر، والخوف من امتداد الحرب إلى لبنان يُرجف القلوب، والحاجة إلى الجيش متزايدة لتطبيق القرار 1701، واستقرار الجنوب، ولضبط الفلتان الأمني الداخلي، ولسدّ المعابر غير الشرعيّة بوجه تهريب البشر والسلع والمخدّرات وما سواها.
ونردّد مرّةً ثانية: إذهبوا، أيّها النواب بموجب ضميركم الوطني، إلى مجلسكم وقوموا بواجبكم الأوّل والخطير، وانتخبوا رئيسًا للجمهوريّة وفق المادّة 49 من الدستور، فتستقيم المؤسّسات، ويسلم الوطن، ويتوقّف كلّ جدال وانقسام!