التأم سينودس أساقفة الكنيسة المارونية في دورته العادية من 5 إلى 15 حزيران 2024 في الكرسي البطريركي في بكركي بدعوة من صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي بطريرك انطاكيه وسائر المشرق الكلي الطوبى، وحضور أصحاب السيادة المطارنة والاكسرخوس الوافدين من أبرشيات لبنان والنطاق البطريركي وبلدان الانتشار حاملين في قلوبهم شؤون أبنائهم وبناتهم وشجونهم وانتظاراتهم وتطلعاتهم.
شاركوا في مرحلة أولى، من 5 إلى 8 حزيران 2024، في الرياضة الروحية التي ألقى عظاتها الأب جورج الترس المرسل اللبناني في موضوع «بالصلاة نواجه الأزمات». وفي مرحلة ثانية، من 10 إلى 15 حزيران 2024، شاركوا بأعمال السينودس استهلّها صاحب الغبطة والنيافة بكلمة افتتاحية استعرض فيها جدول الأعمال.
وبعد أن صلّوا معًا وأصغوا إلى صوت الله وإلهامات الروح القدس، شكروا الله على نعمة القداسة التي جدّدها لكنيستهم بعد أن وافق الحبر الأعظم قداسة البابا فرنسيس على إعلان قداسة الطوباويين الشهداء الإخوة المسابكيين الثلاثة وعلى إعلان تطويب المكرّم البطريرك اسطفان الدويهي الذي سيحتفل به في بكركي في 2 آب 2024.
ثم تدارسوا شؤونًا كنسية وراعوية، متوقفين بنوع خاص على الشأنين الإجتماعي والوطني، وناقشوها بروح أخوية وشراكة مجمعية تجلّت في الإصغاء والحوار والتمييز. واتخذوا التدابير الكنسية المناسبة.
ومن المواضيع التي بحثها السينودس: التنشئة الكهنوتية، الإصلاح الليتورجي، المشاركة في سينودس أساقفة الكنيسة الكاثوليكية عن السينودسية، الشؤون القانونية وخدمة العدالة، الشؤون الإدارية والرعوية، أوضاع الأبرشيات في النطاق البطريركي، الشأن الاجتماعي والتربوي وخدمة المحبة.
وعن أوضاع أبرشيات الانتشار، جاء في البيان الختامي “تناول الآباء كذلك أوضاع أبرشيات الانتشار في أوروبا وأفريقيا وأميركا الشمالية والجنوبية وأوقيانيا وحاجات بعضها.
وتوقفوا بشكل خاص عند أبرشيتي فرنسا والمكسيك. واستمعوا إلى التقارير التي قدّمها مطرانا الأبرشيتين وتدارسوا اقتراح إنشاء أبرشية مارونية لفنزويلا. وطلبوا مزيدًا من الوقت لاستكمال الاستشارات قبل انتخاب لائحة أسماء لمطارنة الأبرشيات الثلاث ترفع إلى الكرسي الرسولي حيث يتخذ القرار فيها قداسة البابا.
وتوقفوا عند ظاهرة هجرة أبنائهم الموارنة من لبنان ومن سائر بلدان الشرق الأوسط نحو بلدان الانتشار وهي بتزايد مستمرّ وتطرح إشكالية تناقص أعدادهم في الأوطان الأم وتزايد الحاجات الرعوية لخدمتهم في الأوطان الجديدة والمضيفة.
وقدّر الآباء ما يقوم به مطارنة الانتشار من جهود في سبيل جمع شعبهم وتوعيته على هويته وتراثه وتاريخه عبر الحفاظ على الليتورجيا وعلى اللغتين السريانية والعربية في المدارس والرعايا، إضافة إلى التعليم المسيحي. وثمّنوا مطالبة هؤلاء المطارنة بتوسيع ولاية البطريرك القانونية على جميع أبنائه المنتشرين حول العالم وتعزيز العلاقات الأخوية مع مطارنة الأبرشيات الكاثوليكية في بلدان تواجدهم.
كما شكروهم على تجديد التزامهم بدعم كنيستهم ومؤسساتها وأبنائها في لبنان وبلدان النطاق البطريركي”.
وفي الشأن الوطني، ورد في البيان “يتعرض لبنان اليوم لأزمة خطيرة تهدّد كيانه وهويته وتضعه في مأزق وجودي مصيري بالغ الخطورة والفرادة في تاريخه الحديث. ولكن لا خوف عليه لأنه حقيقة حيّة في التاريخ وله دور ورسالة ولأن جميع اللبنانيين يعترفون أنه وطن حرّ ومستقل ونهائي لجميع أبنائه، ولأن العالم يعترف له أنه مهد حضارة عريقة وبلد التعددية وأمة حوار وعيش مشترك. “إنه أكثر من وطن، إنه رسالة حرية وتعددية للشرق كما للغرب”. ومن واجب المواطنين الولاء لهذا الوطن النهائي.
ومن المشاكل الأساسية التي يعاني منها لبنان، بالإضافة إلى التدهور الاقتصادي والمالي والاجتماعي، النزوح السوري اليه الذي يقوى يومًا بعد يوم بشكل مخيف. والحرب على الجنوب اللبناني التي جاءت لتزيد من مأساة الجنوبيين خاصة، واللبنانيين عامة، الاقتصادية والتجارية والزراعية والمالية والتربوية، ما أدى إلى تهجير أهله وتعطيل دورة حياتهم الطبيعية.
يثمّن الآباء جهود الدول الشقيقة والصديقة من أجل تحييد لبنان عن النزاعات الإقليمية. ولكنهم يرفضون رغبة بعض المراجع الدولية في إبقاء النازحين على أرض لبنان من دون الاهتمام لما يجرّه ذلك على لبنان من أخطار مصيرية”.
ويتابع البيان “في النظر الى الواقع السياسي المأزوم اليوم، يعتبر الآباء أن لا أولوية تعلو على أولوية انتخاب رئيس للجمهورية. لذا يدعون السادة النواب إلى القيام الفوري بواجبهم الدستوري والوطني وانتخاب رئيس، إذ بدونه لا حماية للدستور ولا إشراف على انتظام عمل مؤسسات الدولة، ولا فصل للسلطات، ولا خروج من الشلل السياسي والاقتصادي والمالي.
أمام هذا الواقع الخطير، ونظرًا إلى دور بكركي الوطني الجامع والحريص على لبنان الوطن الرسالة والنموذج، يرى الآباء أنه بات من الضروري أن تقف كنيستنا بشجاعة وجرأة وتواضع أمام التاريخ وأمام الضمير وأمام الله لتقود عملية وطنية لتنقية حقيقية للذاكرة التي تقتضي مراجعة ذاتية نقدية ترقى إلى فحص ضمير وتوبة ومحاسبة وغفران للوصول إلى حوار صادق وصريح وإلى مصالحة باتت ملحّة اليوم.
لهذه الغاية يعلن الآباء عن تأليف لجنة أسقفية تضمّ حكماء تعمل على التواصل مع جميع الأطراف اللبنانيين، دينيين وسياسيين، وتهيئة الأجواء لإطلاق المسيرة الوطنية لتنقية الذاكرة”.
في الختام “يتوجه الآباء الى اولادهم المنتشرين في كل انحاء العالم، ويقولون لهم: انتم تطلبون منا، نحن الرعاة، شهادة حيّة في عيش خدمتنا الراعوية على مثال المسيح. اننا نسمع صراخكم وأنينكم ونتحسّس وجعكم، ولا نستطيع أن نغمض أعيننا عن مآسيكم، ولا ان نصمّ آذاننا عن معاناتكم، ولا أن نجعل قلوبنا من حجر لئلا نغفل عن مساعدة أي فقير ومريض ومظلوم.
الكنيسة هي أم لكم، ونحن فيها نحبكم ونسعى الى خدمتكم بكل إمكاناتنا المتوفرة.
وبالرغم من الأوضاع الكارثية التي تحمل على اليأس، نقول لكم إننا نحمل الرجاء بالرب يسوع المسيح الذي لا يخيّب. ومدعاة الرجاء عندنا كبيرة وتتجلّى في شبابنا وآبائنا وأمهاتنا وكهنتنا ورهباننا وراهباتنا الواقفين مع الصامدين في أرضهم او المنشرين في العالم وهم يتضامنون معنا ومع أهلهم ووطنهم.
لا تخافوا، يقول لنا الرب يسوع. فكنيستنا قوية به وبتضامننا ووحدتنا. فلنطلب من الله، بشفاعة العذراء مريم وجميع قديسينا، أن يجعل منا رسل محبة وأنبياء حق وصانعي سلام”.