جدد البطريرك الماروني بشارة الراعي ثوابت المصالحة في جبل لبنان، بزيارة إليه، توجه خلالها إلى الرئيس السابق لـ«الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بالقول: «إننا نُحيي مرة أخرى المصالحة التي قمتم بها مع البطريرك الراحل نصر الله صفير وأردتما أن تشمل جميع اللبنانيين»، ودعا لبناء الوحدة الداخلية، في حين أعلن جنبلاط عن استعداده «للمساعدة في مهمة الرئاسة الصعبة ولكن ليست المستحيلة».
وكان الراعي قد زار الجبل في أيار 2014، إلى جانب الرئيس الأسبق ميشال سليمان، حيث حضرا احتفال المصالحة في بلدة بريح في الشوف، وانتهى إثرها ملف الحرب اللبنانية بالكامل.
وبدأ الراعي جولته في الجبل بلقاء شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى في دارته في شانيه، في حضور فعاليات رسميّة دينية سياسية واجتماعية.
وقال شيخ العقل بعد استقباله الراعي: «في حضوركم رسالة محبّة وأخوّة وترسيخ للمصالحة، ورسالة العيش معاً وهي تعبّر عن حقيقة الجبل الواحد الموحّد».
بدوره، توجه البطريرك الراعي لشيخ عقل الموحّدين الدروز قائلاً: «في قلبك همّ وحدة اللبنانيين، وأُعرِب عن فرحتي وشكري لهذا اليوم الذي يجمعنا، ومن خلال هذه الزيارة أعبّر عن روابط المحبّة والصداقة التي تجمعنا». وأضاف الراعي: «نحن دولة التلاقي والحوار والانفتاح، وهذا ما يُسمى الحياد اللبناني الإيجابي، ولا يمكن أن يكون لبنان أرض التنوع والحوار إن لم يكن حيادياً وإلا فقد رسالته، ومن هذا البيت الكريم نتطلع اليوم إلى هويتنا الحقيقية».
وتابع: «أقول اليوم من هذه الدار التاريخية إن لبنان في حاجة إلى الوحدة؛ فلبنان يتميز في البيئة المشرقية بأنه وحدة في التنوع والتنوع مصان من الدستور وعلينا أن نبني الوحدة الداخلية».
وبعد استقبال الراعي في بلدة الباروك، انتقل إلى المكتبة الوطنية في بعقلين، حيث لفتَ أبي المنى إلى «أننا نلتقي وإياكم بحضور زعامة وطنية راعية لهذا الجبل الحبيب ونخبة الوطن في رحاب سجن تحوّل إلى مكتبة»، متوجهاً للبطريرك الراعي بالقول: «زيارتكم اليوم خطوة مباركة؛ إذ إنّها زيارة تأكيد على نهج المصالحة وتجديد لمسيرة العمل المشترك من أجل نهضة الجبل وتطلّعات الوطن في ظلّ التحديات الكثيرة».
وأضاف: «مصالحة الجبل التاريخيّة لم تكن ورقة تفاهم موقّعة من زعيم وبطريرك وشيخ وشهود، بل كانت عهد الحكماء والأبطال الرجال وكانت عهداً من القلب إلى القلب يقول إنّ الجبل تاريخ والتاريخ لا يُمحى بحادثة هنا ومواجهة هناك»، سائلاً: «لماذا لا نتّحد لتعزيز الأمل بالمستقبل في ظلّ انهيار الدولة؟ ألا يستوجب الأمر مصالحة من نوع آخر؟ مصالحة على شكل مبادرات عمليّة لبناء المؤسسات وإقامة المشروعات المنتجة… ألا يجدر بنا أن نضع خطة استراتيجيّة للنهوض والاعتماد على أنفسنا؟».
وفي ما يتعلّق بالاستحقاق الرئاسي، أشار أبي المنى إلى أنَّ «الحوار سبيل وليس غاية، فلماذا لا ندعو إليه ونشارك به لإحداث خرق في جدار التعطيل؛ سعياً إلى جمال التسوية النافعة المجدية؟».
بدوره، أشارَ الراعي إلى أنَّ «الأساس في لبنان هو الوحدة في التنوّع؛ فنحن معاً نشخّص مشكلتنا، ونبحث عن العلاج لمَا نُعانيه وهذا ما نصبو إليه مع شيخ العقل وذوي الإرادة الحسنة، ولن نتراجع عن هذا العمل لأنّه واجبٌ وطنيّ علينا»، مضيفاً: «صحّة لبنان من صحّة الجبل وهذه مسؤولية مشتركة تقع على عاتقنا جميعاً كلمة مصالحة تتطلّب أعمالاً ومبادرات وعلى عاتقنا مسؤوليّة مشتركة لنعمل معاً من أجل وحدة شعبنا، وهذا لن أتراجع عنه».
ثم انتقل الراعي إلى المختارة، حيث استقبله الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جبنلاط ونجله رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط.
وقال جنبلاط الأب: إن «المصالحة في الجبل تكرّست على الرغم من بعض أصوات النشاز التي تعمل على نبش القبور وفي أدبياتنا الشهداء كلهم شهداء الوطن دون تمييز»، عادّاً أنه «ليس هناك أغبى أو أسخف، لكن أخطر ممن ينادون بالفراغ، ولا يسهّلون موضوع الانتخابات الرئاسية».
وتوجه للراعي بالقول: «نقدّر عالياً كل الجهود المحلية والعربية التي تقومون بها لحل معضلة الرئاسة، ونحيي عالياً تأييدكم لدعوة الحوار».
وفي إشارة إلى التأزم السياسي الذي يحول دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية، سأل جنبلاط: «هل يمكن ترسيم حقل بعبدا يا سيد هوكستاين، وهل يمكن تسهيل انتخاب الرئيس يا سيّد عبداللهيان؟»، في إشارة إلى زيارة مستشار البيت الأبيض لشؤون الطاقة آموس هوكستاين إلى بيروت في الأسبوع الماضي، وتلتها زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى العاصمة اللبنانية. وقال جنبلاط: «نحن على استعداد للمساعدة في مهمة الرئاسة الصعبة ولكن ليست المستحيلة».
بدوره، أكد الراعي من المختارة أن «هذا اليوم تاريخيّ وأتينا لكي نُحيي مرة أخرى المصالحة التي قمتم بها مع البطريرك صفير وأردتما أن تشمل جميع اللبنانيين، ولا مصالحة من دون مصارحة». وأشار إلى انه «لا يمكن أن يستمر لبنان في هذه الحالة وقد أصبح غريباً عن ذاته».