يذهب الراعي للاحتفال باليوبيل الذهبي لتأسيس الأبرشية المارونية. ولعل أبرز ما يتضمنه برنامج الزيارة، إضافة إلى لقاء أبناء الجالية، الاجتماع السادس لمطارنة الإنتشار الذين سيلتقون على امتداد ثلاثة أيام (من 20 حتى 22 أيلول) بمشاركة الرؤساء العامين للرهبانيات المارونية.
تحديات الهوية
يضع المجتمعون على طاولة النقاش هموم الاغتراب والكنيسة وأبرز تحدياتها المتمثّلة بالهوية. هو نقاش مفتوح ومتواصل حول تشكّل هوية اللبنانيين المغتربين، وتحديداً الموارنة وارتباطهم بلبنان وبالكرسي البطريركي فيه. وسيتناول المؤتمر كيفية مواءمة الكنيسة المارونية في الاغتراب بين الالتزام بدورها بالانفتاح على العالم واحتضان الجميع وخدمة مجتمعاتها الجديدة، على تنوعها، وبين التمسك بالجذور اللبنانية، صلة الوصل الوطنية والروحية بالنسبة إليها.
يعمل راعي أبرشية أستراليا المارونية المطران انطوان-شربل طربية، مع فريق عمل واسع من أبناء الجالية، للتحضير للزيارة. ويكشف لـ”المدن” عن “حماسة الجالية اللبنانية عموماً لاستقبال البطريرك، لما لموقعه من ثقل معنوي وارتباط عضوي بلبنان-الرسالة والفكرة وأرض الحريات والتنوّع والانفتاح”. ويؤكد أن “للزيارة ثلاثة أبعاد: بعد وطني وآخر اجتماعي وبعد كنسي ماروني. فنحن نحتفل بخمسين سنة من الخدمة الكنسية في هذه البلاد. وكنيسة سيدة لبنان من أكبر الكاتدرائيات في أستراليا، وتخدم أكثر من أربعين ألف ماروني، فيما تشرّع المراكز التابعة للكنيسة أبوابها لكل الناس، فنخدم اللبنانيين من كل الطوائف ونُقدم بعض الخدمات الروحية والاجتماعية لأبناء المجتمع الأسترالي. من بين تلك المراكز، مأوى للعجزة سيفتتحه الراعي يوم الإثنين 18 أيلول.
الإنتماء لأستراليا ولبنان
يتحدث طربية عن “رسالتنا كأساقفة في بلدان الانتشار التي تتخطى الموارنة باتجاه كل اللبنانيين والمشرقيين، إضافة إلى التعاون مع الكنيسة اللاتينية الكاثوليكية. هي مسيرة مارونية أصيلة، أي مسيرة قداسة وإيمان وضد كل أشكال التقوقع. رسالة خدمة ومحبة وتلاقٍ على المشتركات وتطويرها. جزء من دورنا وحضورنا هو تعزيز انتماء أبنائنا إلى البلدان التي احتضنتهم وشرّعت لهم الأبواب والفرص، وفتحت لهم مدى رحباً للاكتساب والتعلم والانخراط في مجتمعاتها. فلا يجب أن يرتبك أي لبناني-أسترالي من إشهار حبه وانتمائه لأستراليا وثقافتها وقيمها، تماماً كانتمائه إلى لبنان وجذوره فيه. فهذه الخلطة تشكّل هوية كلّ منا إضافة إلى كل موروثه العائلي وتجاربه الشخصية وثقافته وخبراته وطموحاته وغيرها”.
أما عن “الهوية”، فيشدد طربية أن “جزءاً من رسالتنا هو الإبقاء على الجسور مع لبنان، فيتعرف شعبنا على التراث الماروني ويتمسكون به”.
لا لبس في موقف طربية، يقولها بصراحة وصدق “علاقة الموارنة في العالم لها جذور وارتباطات بالبطريركية المارونية، التي لا نفصلها عن الهوية اللبنانية ولبنان. وأقولها دائماً: بكركي الجذور ونحن الأغصان التي تحضن العالم ويحضنها. وإذا ضعفت بكركي أو المارونية في لبنان، نضعف جميعاً في المغتربات”.
يعرف مطارنة الإنتشار حاجات لبنان واللبنانيين الكثيرة، ويشعرون بواجب أخلاقي للمساعدة. يحاول طربية تجنّب الحديث عن هذه المساعدات، لكنه بعد إصرار، يؤكد “سنسعى إلى تامين مساعدات للطلاب لدعم المدارس المتعثّرة، والأهل الذين يواجهون صعوبات كبيرة. العلم ثروتنا الأساسية في لبنان، ولن نسمح بأن يخسر أطفالنا وشباننا فرصهم بالتعليم وتطوير النفس وتغيير الظروف”.
بدايات الاغتراب إلى أستراليا
لا يوجد احصاء رسمي لعدد أبناء الجالية اللبنانية في أستراليا، لكن تتقاطع الأرقام عند ما يزيد عن 600000 ألف من أصول لبنانية، يشكّل المسيحيون من بينهم نحو 65 بالمئة، أكثر من من نصفهم موارنة.
يقال أن قسطنطين مالك وصل العام 1880 إلى أستراليا، وإن بيتر خليل فخري وصلها عام 1881، لكن أحداً لا يمكنه أن يجزم أنهما كانا أول اللبنانيين الواصلين إليها.
الأكيد أن الهجرة إلى أستراليا من لبنان، حسب الخبير في شؤون السكان والهجرة الدكتور علي فاعور، تمت على ثلاث مراحل أساسية، بين 1876 و1947، والمرحلة الثانية بين 1947 و1975، المرحلة الثالثة بين 1975 و2000، والمرحلة الرابعة منذ العام 2000 وحتى اليوم.
وقد لحقت الكنيسة المارونية أبناءها الذين شكلوا غالبية المهاجرين الأوائل إلى أستراليا، وأرسلت كهنة لخدمتهم في أواخر سنة 1887 بعد أن كان عدداً منهم قد اندمج في مجتمعهم الجديد وانضموا إلى الكنائس اللاتينية. وتم افتتاح أول كنيسة مارونية في استراليا سنة 1897، وهي كنيسة مار مارون في ردفرن-سيدني.
ومنذ خمسين سنة إلى اليوم، تواصل أبرشية أستراليا مساعيها للوصول إلى معظم الموارنة في أستراليا، وإبقائهم على تواصل مع لبنان ومركز بطريركيتهم. وهي مهمة تزداد صعوبة جيلاً بعد جيل.