“ما أحوجنا اليوم الى قديسٍ جديد من لبنان، من لحمِنا ودمِنا، من أرضِنا ووطنِنا، من وطنِ الأرز والبخور، من لبنان الحرف والانسان”
هذا الكلام أطلقه سيادة المطران انطوان شربل طربيه في القداس الإحتفالي الذي ترأسه في ذكرةى وفاة الطوباوي البكريرك اسطفان الدويهي، وإحتفاءً بإعلانه طوباوياً على يد قداسة البابا فرنسيس.
والمناسبة تحولت الى يوم روحي بإمتياز وبمبادرة من راعي الأبرشية طربيه الذي رعى لجنة ضمت فاعليات روحية وزمنية من أبناء الجالية سهرت على تنظيم هذا الحدث الذي جمع قيادات روحية وديبلوماسية وسياسية وحزبية واجتماعية في كاتدرائية سيدة لبنان حيث ترأس سيادته المراسم بحضور السفير البابوي لدى أستراليا سيادة المطران شالرز دانيال بالفو وسيادة المطران روبير رباط.
شارك في المناسبة النائب اللبناني الضيف رئيس حزب الوطنيين الأحرار الأستاذ كميل شمعون، وسعادة السفير اللبناني الأستاذ ميلاد رعد وعقيلته رولا، وسعادة القنثل العام الأستاذ شربل معكرون وعقيلته جوال، والأستاذ كميل جوزيف شمعون، وحشد من المؤمنين من أبناء المجتمع الزغرتاوي والجالية اللبنانية التي أعتبرت ان لبنان المعذب يحتاج الى قديس جديد الى جانب القديسين شربل ورفقا والحرديني علّه بشفاعتهم ينهي رحلة الصلب.
وبعد القداس توجه المؤمنون الى باحة الكاتدرائية حيث أزاح المطران طربيه مع القاصد الرسولي بالفو والمطران رباط والنائب الأبرشي مارسيلينو يوسف الستار عن تمثال الطوباوي الدويهي الذي قدمّه السيد سركيس الجليلاتي الذي كان موضع تقدير وشكر سيادته على هذه المبادرة.
ثم أنتقل الجمهور الى صالة الكاتدرائية وبعد كلمة من الشماس غسان نخول الذي علق على الوثائقي عن مسيرة البطريرك الدويهي بما فيها من علم وروحانية وإنجازات وتحديات، ألقى الزميل أنور حرب نيابة عن اللجنة المنظمة كلمة شكر فيها العناية الألهية على تطويب البطريرك الدويهي ووجه كلمة إمتنان ل”مبادرة جديدة من مبادرات المطران طربيه المواكبة لكل حدث روحي ووطني” وقال: “البطريرك الدويهي لم يكتب فقط تاريخ الموارنة، بل أصبح بجدارته تارياً للمسيحية عامة وللموارنة خاصة”.
وأقيم كوكتيل باركه سيادته الذي كام موضع شكر وتقدير من الجمهور الذي أبتهل الى الرب السماوي من اجل قداسة الطوباوي الدويهي ولإحلال السلام في العالم ويحفظ أستراليا ولبنان.
وفيما يلي عظة سيادة المطران طربيه بالعربية:
تحتفل كنيستنا المارونية في هذا الأحد الاول من شهر أيار بعيد سيدة لبنان شفيعة هذه الكنيسة وهذه الرعية المباركة. كما “تحتفل الكنائس الشرقية الارثودكسيّة بعيد الفصح ونجدّد الايمان معهم بقيامة المسيح ونصلي طالبين ومطالبين بتوحيد العيد من أجل شهادة مسيحيّة حقّة.
أما قداسنا اليوم فهو لمناسبة ذكرى مرور ثلاثِمئةٍ وعشرين (320) عامًا على انتقالِ المكرّم البطريرك مار اسطفانوس الدويهي إلى الملكوت السماوي، بعد مسيرةٍ إيمانيةٍ طويلة، تَوَّجَها بحبريةٍ بطريركية دامتْ أربعةً وثلاثين عامًا، في إحدى أكثر مراحل تاريخ لبنان صعوبة وظلماً وقهراً وفقراً واضطهاداً.
ويأتي هذا القداس في إطار الاستعداد الروحي والرعوي وضمن مسيرة التحضير لإعلان البطريرك الدويهي طوباوياً على مذابحِ الكنيسةِ الجامعة، في قداسٍ احتفالي سيُقام في لبنان، يوم 2 آب المقبل، وهي مناسبةٌ تصادف عيدَ ميلادِه ، أي بعد قرابةِ 400 سنة على ولادتِهِ في هذه الدنيا. هكذا، وعلى رغمِ مرورِ أكثر من ثلاثةِ قرون على تتميمِهِ رسالتَه في هذه الدنيا، وما يقاربُ أربعةَ قرونٍ على ولادتِهِ في هذا العالم، شاءت العناية الالهية أن تظهره نوراً من شرقنا الغالي، يعكس أنوار السيد المسيح، وشاءت العناية الالهيّة أيضاً أن تجعله ملحاً نتذوقه في طعامنا الروحي فتفيض نعم الرب علينا.
لقد أراد البطريرك الدويهي أن يكون الملحُ الذي ما عرف الفساد، وها هو اليوم يطيِّبُ عالمَنا بنفحة القداسة والرجاء، في زمن صعب ومرير، تكاثرت فيه أخبار الحروب والدمار ولا سيّما في الأراضي المقدسة ولبنان، كما في أوكرانيا والسودان. لقد بدّل بعض حكّام عالمنا الملحَ بالبارود، والطعامَ بالتجويع، والكفافَ بالجشع، والسلامَ بالحرب.
فما أحوج العالم اليوم الى قديسٍ جديد من لبنان، من لحمِنا ودمِنا، من أرضِنا ووطنِنا، من وطنِ الأرز والبخور، وطنِ الجبالِ الشامخة والوديانِ الوادعة. نَعم، قديسٌ جديد من لبنان الحرف والانسان، لأن لبنانَ كان وسيبقى أكثرُ من وطن، إنه رسالة، كما وصفهُ البابا القديس يوحنا بولس الثاني. ومع اطلالة كل قديس جديد أو قديسة نفهم اكثر معنى هذا الكلام النبوي.
لقد اقتبس البطريرك الدويهي نوراً من نور المسيح ليضيءَ ظلمات كنيستنا بمصباح العلم والمعرفة النابعة من التأمل بكلام الله. وانعكس عمله تجديداً ليتورجياً كان محوره القداس الالهي، الذي سهر على ترتيبِهِ وتصويبِهِ، ليعلّمَنا كيف نتفاعل مع سر الثالوثِ الأقدس في كل لحظةٍ من لحظاتِهِ، في كلِّ ما نراهُ أو نسمعُهُ أو نلمسُهُ أو نتذوّقُهُ خلالَ الذبيحةِ الإلهية وسر الافخارستيا المقدّس.
وعلى غرار البطاركة الموارنة من مار يوحنا مارون الى اليوم، كانت حياةُ المكرّم البطريرك الدويهي مليئةً بالعطاء والتضحياتِ والشهادة. فهو رجلُ صلاةٍ وإماتة، عانى الاضطهاد على أيدي حكامٍ ظالمين، واضُطرَّ مراتٍ كثيرة إلى مغادرةِ كرسيّهِ البطريركي والعيش مع باقي الإكليروس والشعب في المغاورِ والكهوف، ليحفظَ حياتَه وحياةَ شعبِهِ من جَوْرِ الظالمين. لقد حرص على القيام بنهضة مارونية عامة وفي كل الميادين، فاهتم أولاً بالتاريخ الماروني والمشرقي، وتَركَ لنا أكثرَ من أربعينَ كتاباً في اللاهوت والليتورجيا والفلسفة والتاريخ. وبنى أكثرَ من خمسٍ وثلاثين (35) كنيسة وديراً، فتح الكثير من المدارس في القرى والبلدات والأديار، أسّسَ المدرسةَ المارونية في حلب، حمى الطقسَ الماروني من التحوّل إلى اللاتينية، وأسّسَ الرهبانيةَ اللبنانية المارونية وثبّتَ قانونَها الرهباني”.