الكاتب: سعدى نعمه
قالها يوماً البطل الوطني يوسف بك كرم “فلأضحى انا وليعش لبنان”، ونسأل في السياق اين هم سياسيو اليوم مما قاله يوسف بك كرم؟ ألا يستحق هذا الوطن الحبيب المقدس الذي وطأته أقدام السيد المسيح أن يضحي رجالاته كرمى له، كرمى لبقائه، كرمى لازدهاره ونهوضه فيحلق كالنسر في السماء؟
لبنان بحاجة الى أن يضع المسؤولون فيه الشخصانية جانباً ويتطلعون الى مصلحته ومصلحته فقط لأن الوطن أكبر وأعظم من الجميع ومتى جرى التفريط به فلا معنى لأن يبقى اي واحد منا فاذا كان الوطن سليماً ومعافىً نكون كلنا بألف خير ومتى كان الوطن مجزءاً متحللاً لن نصل الا الى القعر!
اليوم كان استثنائياً حيث تلقى أبناء رَعية إهدن – زغرتا وجميع أبناء الكنيسة المارونية في لبنان وبلاد الإنتشار وجميع اللبنانيين خبر موافقة آباء سينودوس الأساقفة الموارنة على فتح ملف دعوى تطويب يوسف بك كرم المتوفّى برائحة القداسة.
الى ذلك، خصّ النائب البطريركي العام على نيابة إهدن – زغرتا المطران جوزيف نفاع موقع “المرده” بحديث حول المراحل التي تمرّ بها الدعوى، فقال: “كان لدى رعية زغرتا اهدن منذ وقت طويل الرغبة ببدء مسيرة دعوى يوسف بك كرم وقمنا بجمع الوثائق الأولى كي نستطيع اطلاق المسيرة والحصول على اذن من سينودس الاساقفة”.
اضاف: “حال توفر المعطيات عملنا في سينودس السنة الماضية وكنا قد جهزنا ملفاً يعرض فكرة بدء دعوى يوسف بك كرم ويتضمن اسبابها ومسوغاتها وما قيل عنه من قبل شخصيات كنسية كبيرة التي أثنت على ضرورة بدء الدعوى والاساقفة تشجعوا ولكن طرحوا علينا بعض الاسئلة التي تختص بحياة البطل كرم خاصة وانه كان رجلاً عسكرياً وهناك امور يمكن ان تطرح علامات استفهام كثيرة وُجب ايضاحها قبل البدء بهذه المسيرة خاصة ان هناك مسألتين عسكريتين الأولى: “معركة زحلة التي وصل فيها يوسف بك كرم الى بكفيا ولكن لم يكمل طريقه والسؤال هل هو تخاذل عن هذه المعركة وكان المطلوب منا ان ندرسها واستنتجنا ان البطل كرم لم يكمل طريقه الى زحلة طاعةً للبطريرك بولس مسعد الذي تلقى وعوداً من قنصل فرنسا الا يُشنّ هجوم على زحلة اذاً أطاع يوسف بك كرم الكنيسة ولكن حصل غشٌّ وخداع”.
وحول المسألة العسكرية الثانية، قال المطران نفاع “حصل نوع من الاختلاف في وجهات النظر حول ادارة الملف او قضية لبنان ما بين يوسف بك كرم وطانيوس شاهين الذي قاد ثورة الفلاحين 1860 واهلنا في كسروان لديهم نوع من علامات الاستفهام حول ما اذا كان يوسف بك كرم ضدهم وضد شاهين ولم يسمح له باكمال الثورة وهذا الموضوع الثاني الذي كان يجب علينا دراسته”.
وشدد المطران نفاع على أن هذا الاختلاف لم يفض يوماً الى خلاف ولم تسقط قطرة دم نهائياً بين الأهل وحتى اننا عثرنا على رسالة من البطريرك بولس مسعد موجهة الى يوسف بك كرم يهنئه فيها على حسن ادارته لهذا الملف وطريقة تعاطيه مع طانيوس شاهين ولدينا دراسات تبيّن وتؤكد ان كرم وشاهين أصبحا فيما بعد صديقين وعملا مع بعضهما ويهمّنا أن نقول لكل أهلنا في كسروان ان كرم كان همُّه كل مسيحيي لبنان وقلبه كان معهم وعينه عليهم ولكن ظروف الحرب لم تكن سهلة”.
أضاف: “في العام الماضي، انبثقت لجنة بطريركية لتحضير الملف وعنها انبثقت لجنة عمل تضمّ اختصاصيين ورجال كبار قاموا بتوثيق وتجميع أرشيف عن يوسف بك كرم الموجود في بكركي وفي اسطنبول وقمنا بالاجابة على سؤالين حول زحلة وكسروان ضمن ملف وأيضاً ملف آخر يتناول فضائل يوسف بك كرم كرجل الله كانسان مليء بالايمان وتربطه علاقة وطيدة بالله والسيدة العذراء مريم وكان يريد ان يكون كاهناً ولكن المطران يوسف الدبس قال له ان الربّ اختاره ليكون في الموقع الذي هو فيه ابن عائلة حاكمة وتخلى عندها عن حلمه بالكهنوت واتّجه الى خدمة الوطن وقد أسّس أول أخوية في زغرتا وثاني أخوية في لبنان وشددنا في الكلام على أن كرم هو رجل وطني يحمل همّ لبنان”.
ولفت المطران نفاع الى أن “سينودس هذا العام 2024 قال عن يوسف بك كرم يمكن ان يكون شفيعاً للسياسيين لأن همّ الوطن كان في المقام الأول في حياته ويعلمنا كيفية التعاطي مع السلطة فهو كان في البداية قائمقام النصارى في جبل لبنان مُعيّن من قبل الاتراك وتعاون معهم بشكل جيد ولكنه فيما بعد رفض أن يحكم لبنان متصرف غير لبناني من الخارج وان يخسر كرامته وعندها بدأ مقاومته لأنه رجل وطني الى أقصى درجة وكل هذه الأمور عُرضت أمام السينودس هذه السنة الذي اعطانا توقيتين للحديث عن هذا الموضوع مع أن هناك توقيتاً واحداً يعطى بالعادة للحديث عن موضوع واحد في السينودس وهذا يشكل دليلاً على اهتمام الأساقفة واقتناعهم بالدعوى وحصل تصويت على ما يسمى باللاتيني Nihil obstat ولم يكن هناك اي مانع على بدء المسيرة وهذه الخطوة الأولى بطريق القداسة.
وتابع: “بعد موافقة Nihil obstat والكرسي الرسولي يشير الى أننا اذا أردنا فتح دعوى تطويب يجب ألا يكون هناك معارضة على القديس من قبل بلده وناسه والا لا معنى لها وهذه الخطوة الأولى التي نحصل عليها من الأساقفة وهي أساسية جداً”.
وأردف: “لا زلنا في الخطوات الأولى فالمسيرة طويلة تحتاج الى الصبر ونعمل بكل جهد كي نمرر المراحل بالوقت اللازم ولكن بأسرع وقت ممكن وبعد ذلك تبدأ النيابة البطريركية زغرتا اهدن بالمرحلة “الأبرشية” التي نبدأ فيها بالتحقيق ما يعني درس كل ظروف حياته من دون اي استثناء مع كل الوثائق والمعطيات لتكوين سيرة حياة عن انسان كما يفرض علينا الكرسي الرسولي في الفاتيكان وبكل الشروط نبيّن فيها حياته، كتاباته، أعماله، روحانيته، ايمانه، علاقته بالله وبالناس.
وأوضح أنه بعد المرحلة “الأبرشية” التي لا يمكن تحديد الوقت الذي تحتاجه، تأتي مرحلة ختم الملف من البطريرك بشارة الراعي ورفعه الى كرسي روما وهناك يتقرر اما فتح الدعوى أم عدم فتحها ومن ثم يصبح هناك قبول بفتح دعوى في روما ومن بعدها اذا قُبلت الدعوى هناك “محامي الشيطان” لاظهار اذا كان هناك اي خطأ يحول دون ان يكون هذا الشخص قديساً ومن قبلنا يكون هناك موكل procurateur ويعمل الاثنان لدراسة الملف واذا جرى القبول به حينها تُعلن بطولة فضائل هذا الانسان”.
وزاد على ذلك: “بعد اعلان “بطولة الفضائل” تجري دراسة معمقة أكثر حول حياته وبعد ذلك يعلن مكرماً تماماً كما حصل في ملف البطريرك اسطفان الدويهي وننتظر معجزة لفتح دعوى تطويب تكون مراحلها طويلة وعديدة ومن ثم ننتظر معجزة ثانية بمراحل عدة حتى الوصول الى اعلان القداسة”.
وختم: “المسيرة طويلة وتحتاج الى الدعم والصلاة واذا حصل شفاء فائق الطبيعة على الشخص اعلام الرعية بذلك”.