قال وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حيبب، في مؤتمر بروكسل”: “نحمل إليكم هذا العام موقفاً لبنانياً جامعاً عبّر عنه المجلس النيابي اللبناني بتوصيته الأخيرة للحكومة اللبنانية في جلسة انعقدت منذ حوالي الأسبوعين في بيروت، عكست إجماعاً لبنانياً قل نظيره بأنّ لبنان، حكومةً وشعباً من كل الفئات، والمناطق، والطوائف، والأحزاب، قد وصل إلى نقطة اللاعودة لجهة تحمل بقاء الأمور على حالها، والاستمرار بنفس السياسات المتبعة منذ أكثر من 13 عاما في ملف النزوح السوري”.
أضاف: “جئنا اليوم لطرح حلول متوافقة مع القوانين اللبنانية والدولية وخارج نمط التفكير الذي ساد منذ بدء الازمة في عام ٢٠١١. حلول مستدامة، تؤمن العودة على نطاق واسع للنازحين السوريين إلى بلدهم بكرامة وأمان. ومن تتعذر عودته لأسباب سياسية، ندعو لإعادة توطينه في دولة ثالثة، احتراماً لمبدأ القانون الدولي الإنساني بتقاسم الأعباء”.
وتابع: “في العام الماضي، ومن على هذا المنبر، دعوناكم للعمل سوياً، ولفتح حوار جدّي وبناء لوضع خارطة طريق لحلول مستدامة. ونقولها اليوم بكل أسف إنّ دعواتنا المتكررة لتوحيد جهودنا، وطاقاتنا، في اتجاه الحلول المستدامة لم تلقَ آذاناً صاغية. وبالرغم من ذلك، فإننا مؤمنون بأننا وإياكم محكومون بالتعاون، كبديل عن الفوضى التي، بعكس ما يعتقد البعض، لن تكون أوروبا بمنأى عن تبعاتها، رغماً عن إرادتنا”.
وأردف: “إنّ استمرار معالجة أزمة النزوح السوري بالمنطق والتفكير نفسه، أي فقط بتمويل النازحين حيث هم، بدل البحث عن حلول بديلة يشكل خطراً على جيران سوريا وأوروبا معاً. لقد حان الوقت للعمل معنا جميعاً في حلّ مسالة النزوح من خلال مراجعة سياسة الدول المانحة. وندعو اليوم مجدداً لمشاركة جميع الأطراف المعنية في هكذا مؤتمرات، لأنّ لا حلّ مستدام للنزوح من دون وجود كل الأطراف المعنية بالأزمة على الطاولة معنا”.
وقال: “لقد ازدادت الأحوال سوءاً في لبنان منذ اجتماعنا الأخير، العام الماضي في بروكسل، حيث تحوّل بلدنا إلى سجن كبير وضخم تصدعت جدرانه لم يعد قادراً على تحمل هذا الكم من النزوح ولهذه المدة الطويلة. نتيجة لذلك، بدأت بعض الدول الأوروبية القريبة والمعنية يتفهم خصوصية لبنان، الوطن التعددي والفريد في تكوينه، مما دفعها إلى إعادة التفكير بالوجود السوري الكبير في لبنان والذي يهدد حيثيته ووجوده”.
أضاف: “يقر اللبنانيون بأنّ بلدهم يعاني من مجموعة أزمات ومشاكل مترابطة تغذي بعضها بعضاً، نتحمل نحن كلبنانيين مسؤولية عجزنا عن إيجاد حلول لبعضها وعلى رأسها مسألة الشغور الرئاسي، والبطء في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي. كما يتشارك معنا المجتمع الدولي مسؤولية معالجة أزمة النزوح، ووقف الحرب الدائرة على حدودنا الجنوبية من خلال التطبيق الشامل والمتوازن لقرار مجلس الامن 1701. لذلك، فإنّ هذه التحديات الأربعة، أي النزوح، والشغور الرئاسي، وعدم الاستقرار في الجنوب، وغياب الإصلاحات الاقتصادية، كلّ واحدة منها تغذي الأخرى، وتهدد بانفجار كبير يهدد أمننا، واستقرارنا الاجتماعي. إنّ الانفجار اللبناني، إن حصل، ستكون له ارتدادات سلبية على دول الجوار، ومنها دول أوروبية”.
وتابع: “في مسألة النزوح تحديدا، لقد شهدت الأشهر ال12 الأخيرة تبدلات جذرية على المستويين الداخلي اللبناني، والدولي. فداخلياً، وصلنا إلى نقطة اللاعودة بسبب تزايد الحوادث، والاضطرابات، والاحتكاكات، والسرقات، والجرائم، وعصابات الجريمة المنظمة، ومعظم أدواتها من النازحين السوريين، مما وحّد اللبنانيين، كما اشرنا سابقاً على رفض سياسة Business as usual or more of the same. لقد وصلنا إلى إجماع لبناني بأنّ إبقاء الوضع على ما هو عليه سيشكل خطراً وجوديّاً على لبنان”.
وأردف: “في ما يتعلق بالعلاقة مع المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، سعت وزارة الخارجية الى تشجيع تعاون المفوضية مع الوزارات والاجهزة الأمنية، والعسكرية في سبيل توفير الظروف الملائمة والفورية للعودة الآمنة للنازحين السوريين. كما وضعت هذه الوزارة في أيلول عام 2022 ورقة عملية لتطوير التعاون مع المفوضية، بالتعاون مع الادارات المعنية من اجل حل أزمة النازحين. تتألف الورقة من 15 بنداً أهمها تسليم الدولة اللبنانية الداتا الكاملة للنازحين، ووقف المساعدات عن غير مستحقيها، لا سيما من يزورون سوريا، ومساعدة المجتمعات المضيفة، وتقاسم الاعباء من خلال نقلهم الى دول ثالثة، وفرز السوريين المستفيدين من تقديمات المفوضية، ومعرفة كيفية صرف الأموال الممنوحة، كما أسماء الجمعيات التي تستفيد منها. للأسف لم تلتزم المفوضية بتعهداتها لجهة تطبيق هذه الورقة كما سبق ووعدت. وفي 8 آب 2023، وقعت وزارة الخارجية اللبنانية مذكرة تفاهم مع مفوضية شؤون اللاجئين لتسليم داتا النازحين. قامت المفوضية، بعد تأخير دام لمدة 4 أشهر (في شهر كانون الأول 2023) من تبادل المذكرات، بتسليم الامن العام اللبناني داتا نازحين منقوصة، وغير قابلة للاستثمار”.
وقال: “إن رغبتنا الصادقة، بالتعاون مع المفوضية لإيجاد حلول مستدامة لم تقابل للأسف من جانب المفوضية سوى بسياسة المماطلة، وشراء الوقت وآخرها رسالة موجهة من المفوضية بتاريخ 22 أيار 2024 للتباحث مجددا في موضوع الداتا بعد أن أشبع هذا الموضوع درسا، مما حول المفوضية بسياستها هذه، ونقولها بأسف شديد، لى جزء من المشكلة بنظر أغلبية ساحقة من الشعب اللبناني، بدل أن تكون، كما نرغب نحن كحكومة لبنانية، جزءا من الحل”.
أضاف: “أما خارجيا، فتبدلت الأولويات، ولم يعد ملف النزوح السوري يحظى بالاهتمام الدولي ذاته. لقد تكاثرت الازمات من أوكرانيا، إلى حرب غزّة، إضافةً إلى شحّ الموارد الذي انعكس حكماً من خلال تقليص المعونات المقدمة من المنظمات الدولية إلى الضروري فقط من حاجات النازحين. ففي ظل الانخفاض الحاد في التمويل الدولي، لا بد من العمل معا لتغيير جذري في نهج التعامل مع الأزمة الانسانية السورية”.
وتابع: “بناء على ما تقدم، جئنا اليوم ندق ناقوس الخطر متسلحين بتوصية صادرة عن مجلس النواب اللبناني، مرفقة أدناه، وبإجماع لبناني، ورغبة صادقة بالحوار البناء، والتعاون مع المجتمع الدولي والمنظمات الدولية وبالاخص مفوضية اللاجئين من أجل تطبيق حلول مستدامة وفقا لما يلي:
١- التزام الحكومة التواصل والمتابعة المباشرة والحثيثة، مع الجهات الدولية والاقليمية والاطراف المعنية، ووضع برنامج زمني وتفصيلي لإعادة النازحين، باستثناء الحالات الخاصة المحمية بالقوانين اللبنانية.
٢- تأكيد التزام لبنان مضمون مذكرة التفاهم الموقعة بين الحكومة اللبنانية والمكتب الاقليمي لمفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين تاريخ 9/9/2003. تؤكد الاتفاقية إعادة النازحين الى موطنهم الاصلي، أو اعادة توطينهم في بلد ثالث، كأساس للمعالجة، وإلزام مفوضية اللاجئين تطبيق بنودها كاملة، وإتخاذ الاجراءات اللازمة للتنفيذ، وتقديم الاحصاءات، والملفات الخاصة بالنازحين الموجودة لديها، والطلب منها التنسيق مع مكتبها في سوريا لتسهيل عملية اعادتهم الى بلدهم .
٣- التزام واضح تطبيق القوانين النافذة التي تنظم عمليات الدخول الى لبنان، والاقامة فيه، والخروج منه.
٤ – القيام بالاجراءات القانونية اللازمة لتسليم السجناء من النازحين الى السلطات السورية، وفق القوانين والاصول المرعية محليا ودوليا.
٥ – دعوة المجتمع الدولي والهيئات المانحة إلى مساعدة الحكومة في تخصيص الامكانيات اللازمة للاجهزة العسكرية والامنية، من اجل ضبط الحدود اللبنانية، والتنسيق مع الجانب السوري للمساعدة من الجهة المقابلة، وحصر حركة الدخول والخروج عبر المعابر الشرعية بين البلدين.
٦- الطلب من أجهزة الامم المتحدة كافة، لا سيما مفوضية اللاجئين والجهات الدولية المعنية، اعتماد دفع الحوافز والمساعدات المالية والانسانية للتشجيع على إعادة النازحين الى بلدهم، ومن خلال الدولة اللبنانية، ومؤسساتها أو بموافقتها.
٧- الاستفادة من القرارات الصادرة عن الامم المتحدة، ومنها قرارها حول خطة التعافي المبكر الصادر عام 2021 ، حيث يمكن ان يشكل المدخل لتسريع العودة الى الداخل السوري عن طريق المساعدات لتأهيل البنى التحتية.
٨- التزام الحكومة اللبنانية الموقف الذي اعلنه رئيسها، في ملف النزوح بأن لبنان لم يعد يحتمل عبء بقاء النازحين. وفي كل الاحوال، لا يستطيع ان يكون شرطيا حدوديا لأي دولة، وان المطلوب تعاون كل الدول لحل هذه المعضلة، وتحويل الدعم نحو تعزيز إنتقال النازحين، وتأمين استقرارهم في بلدهم مع ما يتطلب ذلك من تأمين مقومات حياتهم”.
وأردف: “إضافة الى ما تم ذكره أعلاه من توصيات للمجلس النيابي للحكومة اللبنانية، فإن الأخيرة تؤكد أيضا ما يلي:
1- توفير المجتمع الدولي الحدّ الأدنى من البنى التحتية اللازمة للحياة الكريمة للنازحين وذلك من خلال تأهيل القرى المدمرة في سوريا، ضمن مشاريع نموذجية (Pilot Projects)، كي تصبح قابلة للحياة والتعافي عبر مشاريع محلية.
2- فصل السياسة عن النزوح، فعودة النازحين يجب ألا ترتبط بالحلّ السياسي.
3- نجدد التزامنا عدم الإعادة القسرية للنازحين، وروحية اتفاقية جنيف للاجئين لعام 1951 بالرغم من عدم انضمام لبنان إليها.
4- نطالب أيضاً بالتعويض العادل للدولة اللبنانية، كوسيلة موقتة وليس كحلّ بديل، عبر دعم مؤسساتها مباشرة نتيجة الأعباء الجسيمة التي يتحملها لبنان والمقدرة بحوالى 100 مليار دولار أميركي، حسب التقديرات الأولية للبنك الدولي.
5- نذكر أيضاً بضرورة تطبيق مبدأ تقاسم الأعباء من خلال إعادة توزيع النازحين على دول أخرى لمن يتعذر إعادته إلى سوريا، بعد أن تخطت نسبة النازحين ٣٠% من مجموع سكان لبنان.
6- إن البيانات او الداتا التي يطلبها لبنان من مفوضية شؤون اللاجئين هي حق وطني سيادي، وذو أهمية كبيرة لتصنيف السوريين في لبنان. وللحكومة اللبنانية كامل الحق في طلب هذه البيانات واستخدامها لتنظيم الوجود السوري في لبنان.
٧- إعادة تقييم السوريين المسجلين لدى المفوضية لتحديد من هو اللاجئ ومن هو المهاجر الاقتصادي.
٨- أي سوري مسجل يغادر لبنان بشكل غير قانوني عن طريق البحر أو بشكل قانوني عبر الحدود البرية إلى سوريا، يجب أن تنزع عنه صفة اللجوء لدى المفوضية.
٩- تكثيف الجهود من قبل المفوضية بالتعاون مع السلطات اللبنانية والسورية من أجل حث وتشجيع النازحين على العودة الآمنة إلى بلدهم الأم.
10- تلتزم الحكومة بالتنسيق مع مفوضية اللاجئين ضمان عدم تعرض أي سوري سيتم ترحيله إلى سوريا لخطر الملاحقة القضائية عند عودته إلى وطنه.
11- تشجيع الخماسية العربية على المستوى الوزاري لملاقاة الجهود الدولية لحل الأزمة السورية”.
وختم: “ندق ناقوس الخطر من باب حرصنا على التعاون معكم، فلبنان يخطو خطوات متسارعة نحو الانفجار الكبير، في حال استمرار سياسة شراء الوقت في موضوع النزوح، بعد مضي أكثر من 13 عاما على بدء هذه الأزمة. فلقد تغيرت الأحوال بصورة جذرية في الداخل اللبناني، وتكاثرت التحديات والمشاكل، وشحّت الموارد، إقليميا ودوليا. جئنا إليكم اليوم لانتهاز هذه الفرصة الأخيرة، قبل فوات الأوان، لوضع أسس لمقاربة مختلفة جذرياً ومستدامة لإعادة النازحين إلى ديارهم، وفصل السياسة عن النزوح قبل فوات الأوان، وانهيار الهيكل علينا وعليكم. فعندما يصاب لبنان بالرشح، ويسقط رغما عن إرادتنا، بأهله، وشعبه، ونازحيه، ستصاب أوروبا بالعدوى، وسنتحول جميعاً إلى ضحايا حيث لا ينفع الندم”.