رحلة “الحج” لحضور عرس تطويب البطريرك مار اسطفان الدويهي الأهدني

الاعلامي والكاتب سركيس كرم

 

زيارة لبنان عادة ترد الروح مهما كانت الظروف والدوافع، فكيف اذا تزامنت مع حدث تاريخي يأتي مرة في العمر كحدث تطويب البطريرك مار اسطفان الدويهي الأهدني. تسعة أيام قضيناها نتنقل من مناسبة الى أجمل كلها تتعلق باحتفاليات أقيمت قبل وأثناء وبعد تطويب الدويهي الكبير. احتفاليات لن ننساها مدى الحياة وسيظل لها تأثيرها الروحي الذي سيرافقنا أينما كنا. ولا بد من ان أستعرض في هذا السرد الكتابي المقتضب ما شهدته وما شاهدته وما أحسست به بالرغم من أن الكلام يعجز عن التعبير بما يكفي عن حقيقة ما جرى.

-التطويب في الصرح البطريركي في بكركي (2 آب 2024)
لا نغالي حين نصف احتفال تطويب البطريرك العلامة مار اسطفان الدويهي الأهدني بالعرس الروحي والوطني الذي أحتاجه لبنان في هذا الزمن العصيب لكي ينعش الأمل ويزيد الرجاء ويعزز التفاؤل بأيام أفضل. ولا نبالغ اذا أعتبرنا رحلة “الحج” التي قمنا بها قد أشبعت قلوبنا روحانية وفرح ومحبة، وجعلتنا نشعر وكأننا زرنا السماء لوهلة وعدنا، ولا سيما أثناء حفل التطويب..
بتطويب البطريرك إسطفان الدويهي شهد لبنان لحظة تاريخية أعادت له مجده الروحي. لقد شهد لبنان حقاً حدثًا تاريخيًا هامًا تمثل في إحتفال مهيب أقيم في الصرح البطريركي في بكركي. هذا الإحتفال مثّل لحظة فخر ليس فقط للكنيسة المارونية بل للبنان بأسره ولعالم الإنتشار، حيث توافد الآلاف من المؤمنين والمسؤولين لحضور هذه المناسبة العظيمة التي ترأسها البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بحضور ممثل قداسة البابا فرنسيس، رئيس مجمع القدّيسين، الكاردينال مارشيلو سيميرارو.
ولم يكن غريباً ان يعكس احتفال التطويب الضخم بروعته وحسن تنظيمه وتصاميمه وترانيمه وأنواره وخشوعه، حياة البطريرك الدويهي بكفاحه من أجل الحفاظ على الإيمان المسيحي في وجه التحديات والصعوبات التي واجهته في عصره، سواء من خلال قيادته الروحية أو من خلال كتاباته العديدة التي أصبحت مرجعًا تاريخيًا ودينيًا للكنيسة. وكانت حياته مليئة بالمعجزات التي يعتقد أنها بركة من الله، وهو ما ساهم في إعلانه طوباوياً بعد قرون من وفاته.
أو ليس الطوباوي إسطفان الدويهي هو رمز للمقاومة الروحية والقيادة الحكيمة، وهو المثال الذي يحتذى به في تاريخ الكنيسة المارونية. لذلك يأتي تطويبه كرسالة أمل وإيمان للموارنة وزخم إيماني لجميع المسيحيين في الشرق الأوسط، وقوة متجددة لمكانة لبنان كمنارة للإيمان في المنطقة.
وقد أكد هذا الحدث التاريخي على أهمية التراث الديني للبنان وعزز الروابط بين الكنيسة المارونية والفاتيكان، ليبقى لبنان دائمًا بلد القداسة والسلام. وفي رسالة مؤثرة تلت التطويب، قال قداسة البابا فرنسيس “فليعضد الطوباوي الجديد إيمان ورجاء الكنيسة في لبنان، ويتشفع من أجل هذا الوطن الحبيب”.
وربما لن نجد الكلمات لنعبّر عن حقيقة مشاعرنا، وعلى وجه الخصوص ما أحسسنا به لحظة قرأ فيها سيادة المطران جوزيف نفاع قرار التطويب البابوي، قائلاً “… فليطلق عليه من الآن وصاعداً لقب طوباوي”.. لتعلو الهتافات والزغاريد وتقرع الأجراس وتدمع العيون فرحاً..
لقد كانت لحظات أكبر من محدودية الزمن بأهميتها وأوسع من ان يأسرها حبر التعابير وصور المخيلة، لكنه بوسعنا ان نردد من صميم قلوبنا ان تطويب البطريرك العلامة اسطفان الدويهي الاهدني هو تطويب لعالم نابغة جمع بشخصه وسيرته عظمة الإيمان والتقوى والمعرفة والعلوم اللاهوتية والاكاديمية والفلسفية والكنسية والبحوث التاريخية والليتورجية وبناء الكنائس والأديرة والتبشير وتنظيم الجماعة وحب الأرض والقرب من الناس متحلياً بروحية الخدمة والمحبة والتواضع… انه عدة عظماء بعظيم واحد بات يعرف منذ الثاني من آب 2024، بحسب مشيئة الرب يسوع، “الطوباوي مار اسطفان الدويهي”.

-قداس الشكر في اهدن (3 آب 2024)
جاء قداس الشكر الذي أقيم في اهدن، بلدة الطوباوي الجديد، في اليوم التالي للتطويب ليعطي للحدث المزيد من السمو، ويكمل بالتالي اللوحة الروحية التي لا تكتمل من دون العودة الى الجذور.. الى العرين.. الى الأهل والأحباء. وهل هنالك ما هو أجمل من الصلاة والترنيم بحمى جبل مار سركيس وقمم الجبال التي ما زالت تفوح نسماتها بعطر بخور الطوباوي مار اسطفان الدويهي.

-توقيع كتاب “منارة علم وقداسة” (30 تموز 2024)
التقت القداسة والبطولة بقديس بطل وبطل قديس على كتلة مار جرجس اهدن حيث رُفعت صور البطريرك الطوياوي الى جانب تمثال بطل لبنان يوسف بك كرم، وأحتشد المئات لحضور اطلاق كتاب المونسنيور اسطفان فرنجية “منارة علم وقداسة.. سيرة الطوباوي البطريرك مار اسطفان الدويهي الاهدني” بثلاثِ لغات: العربية، الإنكليزية والاسبانية.
ومما قاله المونسنيور اسطفان فرنجية ” منذ صغري ” ما كنت إقشع”، كان عمري 11 سنة زرعت أول قُرنيّة بأميركا، وكانت أمي دائما على كامل ثقة أن البطريرك الدّويهي سيشفيني، كنت أتعذّب في عِلمي، أستندُ على حاسة السّمع في صفّي عندما يشرح الأستاذ، إمي تصلّيلي للبطريرك الدّويهي تا إشفا وبعدا بتصلّيلي… طالما هِيِ موجودي أنا ما بعتل هَمّ… عمِلوا للي بَدكُن ياه، أمي عم تصلّيلي!
وختم المونسنيور فرنجية: ” لبنان هو البطريرك الدّويهي ويوحنا مارون ويوسف بك كرم وكل الآباء والأجداد، أشكر الدكتور إميل يعقوب والأب دانيال شديد الذي رافق صدور الكتاب باللّغات الثلاث ، إنّه كتاب عِلمي وتاريخي… أشكر السنيور سركيس يمين وابنه مومي الذين تكلفوا بترجمة هذا الكتاب للإسبانية كما أشكر تاد مرقص الدّويهي المندفع أيضا الذي تكلّف في ترجمته للإنجليزية وكل الذين اهتمّوا بإنجاح هذا الحفل”.

-قداس الجالية الأسترالية (31 تموز 2024)
احتفل سيادة المطران أنطوان شربل طربيه مطران أستراليا وأوقيانيا بالذّبيحة الإلهية للجالية الأسترالية في كاتدرائية مار جرجس – إهدن، بمشاركة النائب البطريركي العام على نيابة إهدن – زغرتا المطران جوزيف نفّاع السامي الإحترام، الزّائر الرسولي على الموارنة في أوروبا المطران مارون ناصر الجميّل السامي الإحترام، الخورأسقف اسطفان فرنجية، ولفيف من الكهنة وحشد من الجالية الأسترالية. ومما جاء في عظة سيدنا طربيه “لقد جئنا من أستراليا لمشاركة إخوتنا وأخواتنا هنا الفرح الروحي بهذه المناسبة، إنه لأمر رائع أن أراكم جميعا هنا، طالبين شفاعة البطريرك الدّويهي لكم ولعائلاتكم… بروح القداسة هذه، نجتمع اليوم هنا في هذه الكنيسة، كنيسة مار جرجس في اهدن حيث يوجد ضريح البطريرك الدويهي. إننا نصلي ونعدُّ أنفسنا لهذه المناسبة الفريدة ونحن نشهد لتطويب أول بطريرك ماروني في تاريخ كنيستنا”. وأضاف ” لا شك أن مسيرة البطريرك الدّويهي إلى القداسة سوف تشعل من جديد حرارة إيماننا، وتذكرنا بأهمية الثبات، حتى في مواجهة الشدائد. دعونا نواصل الصلاة من أجل كلمة الله وتثمر في أطفالنا، لكي يولد المزيد من القديسين في عائلاتنا”.

-كنيسة مار اسطفان الدويهي في بلدة ارده المباركة (4 آب 2024)
حضر حشد كبير تدشين اول كنيسة في لبنان والعالم تحمل اسم مار اسطفان الدويهي التي شيدها السيد جوزيف كامل وعقيلته السيدة جورجينا الدويهي كامل، باركهما الرب وبارك عائلتهما بشفاعة الطوباوي الدويهي الكبير.. ترأس القداس سيادة المطران يوسف سويف الذي تحدث عن مبادرة عائلة كامل وتعلقها بالطوباوي، وعن خدمة مار اسطفان الدويهي في ارده عندما كان كاهنا. تميزت المناسبة بازاحة الستار عن ثمثال للدويهي الكبير وإطلاق الألعاب النارية وعروض الدبكة وحسن التنظيم.

-الصلوات الترانيم والأغاني
وكم فرحنا بالأغاني والترانيم التي كان يتردد صداها الطيب أينما ذهبنا في أهدن وفي بكركي ومن أبرزها “من تحت الأرزة” كلمات نعمان الترس، ألحان جهاد حدشيتي، غناء غسان صليبا، هادي خليل، ناجي الأسطا وجهاد حدشيتي. و” اهلك يا بطرك هون… ما فَلُّو” شعر رودي رحمة وغناء الفرسان. وأغنية “يا بطركنا” من كلمات وتنفيذ وإخراج الإعلامي والشاعر بول يمين. لحن وغناء المطرب بدوي الرزي.
وليال نعمة وترنيمة البطريرك الطوباوي اسطفان الدويهي “يا رائداً”. بدوره المطرب رفيق خويري قدم ترنيمة من الحانه وكلمات الحبيس يوحنا الخوند وتسجيل جوزاف كلاب بعنوان ” قلب وادي قنوبين”.
“يا بطريرك القديسين “ من ترانيم الاب بشارة ايليا الانطوني وغيرها الكثير من الترانيم والأغاني.. ومن عالم الإنتشار “ويا أهدن منك الكمال”.. كلمات الشاعر نجيب سليمان داود (استراليا)..ألحان يولا حرب أبي شهلا بصوت المطرب فادي خليل والمرنمة دجيني يزبك الجمل.
وكانت محطات لها صلة باحتفاليات التطويب خلال الزيارة من أبرزها القداديس التي أقيمت في كافة كنائس اهدن وقد حضرنا بعضها في كنيسة مار بطرس وكنيسة مار سركيس وباخوس، الى مناسبات تكريمية حافلة أقامها المغترب الشيخ ميشال الدويهي والنقيب جوزيف الرعيدي وغيرهم..

وكم كان رائعاً مشاهدة قيادات اهدن زغرتا وفعالياتها السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية حاضرة في كافة المناسبات ببركة الطوباوي الجديد.. وما أجمل اهدن والعديد من المناطق التي ازدانت بيوتها وشوارعها بصور البطريرك الطوباوي.

أطال الرب يسوع بشفاعة مار اسطفان الدويهي عمر كل من ساهم بطريقة او باخرى في كافة المناسبات وكل من قدم وكل من دعم بكل سخاء ومحبة.. وأخص بالذكر سيدنا المطران جوزيف نفاع الذي أعلن في بكركي قرار قداسة البابا بمنح بطريركنا العظيم لقب “الطوباوي” وتابع ملف التطويب منذ سنوات، والمونسنيور اسطفان فرنجيه، صاحب النخوة والطاقة والحيوية، المشرف على كل شاردة وواردة من الملف ومن احتفال التطويب الباهر الذي ساهم باعداده منذ ٦ أشهر..والذي أعد ونظم عشرات المناسبات من قداديس وتكريس المذابح وحمل الذخائر الى العديد من الكنائس في الكثير من المناطق اللبنانية..

ولا ننسى جهود قناة “زغرتا تشانل” وراديو اهدن -شبكة زغرتا الاعلامية بتغطية الحدث مع التنويه بجهود الزملاء زياد المكاري وليال جبرائيل وحسنا سعادة والاب سليمان يمين..
وكل التقدير للأفراد والمؤسسات والجمعيات والرعايا التي شاركت وساهمت باحياء مناسبات مختلفة احتفالاً بالتطويب..

مبروك للكنيسة ولإهدن وللبنان والعالم أجمع..
وأطيب تحية لكل المغتربين وخاصة لأبناء الجالية الأسترالية اللبنانية..
وليحمي الرب وطننا الأم لبنان ووطننا استراليا بشفاعة الطوباوي الجديد..