سركيس كرم
موقفي الرافض لإقرار “الدائرة 16” ليس جديدًا، بل أعلنته منذ طرح البند 112 للمرة الأولى. هذا الموقف لا تحركه حسابات سياسية ولا انتماءات ظرفية، بل ينبع من قناعة راسخة وتجربة عميقة كمغترب منذ 48 سنة في دول تُعد من بلدان “الهجرة الدائمة”.
أنا لا أرى في هذا الطرح سوى محاولة مقنّعة لعزل المغترب اللبناني عن وطنه، وتحويله إلى متفرّج يتنافس على مقاعد رمزية، بعيدة عن هموم الناس اليومية في الداخل. وانطلاقاً من هذا الأمر، لا أقبل أن يُحصر صوتنا بستة مقاعد موزعة على القارات، وكأن الرسالة لنا: “ابتعدوا عن قضايا لبنان الفعلية، وانشغلوا بمقعد هنا وآخر هناك، بحسب قيد “المرشح” الطائفي، في انتخابات شكلية”.
إن المشاركة السياسية الحقيقية للمغترب تكون من خلال احتساب صوته في دائرته الأصلية في لبنان، حيث جذوره، حيث أهله، حيث قضاياه الحقيقية. لا عبر دوائر وهمية تُفرغه من تأثيره وتُقصيه عن التماس المباشر مع الوطن.
وأسأل من يؤيدون هذا المشروع: هل فكرتم في دور الأحزاب اللبنانية في الانتشار بعد إنشاء هذه الدائرة؟ ما سيكون موقع ودور السفير اللبناني وهو من يفترض ان يمثل لبنان؟ ومن ستكون مرجعية اللبنانيين في الخارج؟ هل يُعقل أن يصبح “نائب القارة”، أياً يكن انتماؤه، هو الصوت السياسي الرسمي لأبناء تلك القارة، على حساب نواب مناطق المغتربين الأصلية في لبنان؟
هل من المنطقي أن يحل على سبيل المثال نائب “دائرة أستراليا” محل نواب زغرتا الزاوية في تمثيل أهل زغرتا المقيمين في أستراليا؟ ومحل أبناء بشري والكورة وطرابلس والمنية وعكار وسواها من الدوائر الانتخابية؟
إن أبناء الاغتراب الذين يسجلون أنفسهم وعيالهم للحصول على القيد اللبناني يفعلون ذلك ليبقوا شركاء في القرار الوطني، لا ليُحصروا في دائرة رمزية ترمي عملياً الى عزلهم عن لبنان إلا في الأمور “السياحية” و”الإفتصادية”!.
وأختم بسؤال بسيط موجّه الى مؤيدي اقرار المادة 112 أي الدائرة 16: هل تعلمون أن الفريق السياسي المقابل هو من سيفوز بخمسة من أصل ستة مقاعد في “الدائرة 16″، وبفارق كبير؟ وهل كان تأثير المغتربين في الانتخابات الأخيرة التي صوتوا فيها في دوائرهم الأصلية في لبنان يعادل فعلًا حجم “خمسة نواب”؟
من هنا، نكرر ونشدد بالقول: صوتنا يجب أن يُحتسب في دوائرنا الأصلية، لا أن يُختزل في مقاعد مغتربة معزولة عن جوهر الحياة السياسية اللبنانية.