سلاح التحرير وسلاح الهزيمة ما بين منطقين

د. فادي جورج قمير

نستطيع القول بأن سلاح التحرير الحقيقي في لبنان هو الذي كان ما قبل العام 2000 ضمن المعادلة التي سادت الجيش والشعب والمقاومة التي حقَّقت بطولات عديدة وتمّ تحرير لبنان ونستذكر بعض المحطّات التي عاينّاها أثناء تولّينا مسؤولية المديرية العامّة للموارد المائية والكهربائية في وزارة الطاقة والمياه، عندما زرنا بلدات رميش وعين إبل والقرى الحدودية كافة ضمن خطة مبرمجة لإعادة المياه والكهرباء إلى تلك القرى. غير أنّه صدر آنذاك قرار مجلس الوزراء الذي كلّف مجلس الجنوب بالمشاريع التي تضمّنتها هذه الخطة، حيث اجتمع مجلس الوزراء في النبطية بعد التحرير لمناقشة المشاريع والقضايا لتلك المناطق.
أمّا بعد العام 2000 فأصبح السلاح الذي حقّق النصر والتحرير، سلاح هزيمة لأنه ابتعد كثيراً عن منطق الدولة الذي يقتضي معه وضع خطة دفاعية شاملة ويكون ضمنها الجيش اللبناني والسلطات اللبنانية الرسمية هي التي ترسم هذه الخطوط إما بالديبلوماسية وإما بوسائل أخرى.
لم نستطع إنجاز التحرير في عدوان عام 2006 وإنما دُمّرت مناطق وبلدات كثيرة ومبانٍ سكنية في لبنان وكذلك دُمِّر العديد من البُنى التحتية. بالوصول إلى طوفان الأقصى عام 2023 مع وحدة المسارات والدخول في حرب الإسناد ومحاور إقليمية لغاية الآن لم نشهد سوى التقهقر. وبالفعل تمَّ تدمير لبنان بفعل مُمَنهج من قبل الكيان الإسرائيلي وهذا ما جعل من سلاح التحرير سلاحاً للهزيمة. بالتالي لم تكن هذه الحرب حرباً لبنانية إنما حرباً عقائدية، فالقوى الإقليمية وخاصة إيران دعمت هذا المشروع للهجوم على إسرائيل من غزة ومن لبنان لدعم موقفها التفاوضي مع الولايات المتحدة. فجعلت من لبنان والدول العربية التي دخلت في هذه الحرب خاصة فلسطين المحتلّة ولبنان واليمن وقوداً للمُفاوض الإيراني وتحسين أوضاع رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي كان يعاني في الداخل الإسرائيلي من مواجهة صعوبات وتحدّيات تتعلّق بقضايا فساد ودعاوى ضدّه بهذا الخصوص. وتقدّم الولايات المتحدة، الحليف القوي لإسرائيل، الدعم العسكري والديبلوماسي الحاسم للدولة اليهودية، في حين تطلق مبادرة هدنة، على أمل التوصّل إلى اتفاق سلام شامل في المنطقة. نحن نواجه أيديولوجية عقائدية تريد فرضها على وطن التعايش و”الرسالة”، ومثل هذه الأيديولوجيات لا تسمح بل تخنق النمو والازدهار الاقتصادي والتقدّم الاجتماعي، إلّا إذا عاد أصحابها إلى منطق الوطن وشرعية الدولة والانتماء الوطني.
الخطة البديلة لهذا السلاح، سلاح الهزيمة والتدمير الشامل للأوطان العربية لا تكون إلّا بالعودة إلى منطق الدولة وجامعة الدول العربية وتحسين انتمائنا العربي ضمن عملية نمو شاملة وضمن اتفاقيات. وما لم نضع هذه الأفكار في تطوير مجتمعاتنا وإعادة بنائها على أساس الابتكار والبحث والعلوم والتربية وثقافة السلام، فسوف يستمرّ الكيان الإسرائيليّ في تقدّمه من كافة النواحي ويسبقنا بأشواط، وأوطاننا ستبقى بلداناً وضعها محزن للغاية. من هنا يجب العودة إلى الدستور واتفاق الطائف ودعم رئيسَي الجمهورية والحكومة للنهوض بهذا البلد.
وقد شكّلت “اتفاقيات إبراهيم”، التي تم توقيعها في عام 2020، نقطة تحول تاريخية في المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، وحظيت بترحيب شخصيات دينية بارزة مثل البابا فرنسيس بابا السلام والعدل والمحبّة والشيخ أحمد الطيب، الإمام الأكبر شيخ الأزهر. كما ساهمت زيارة البابا فرنسيس في 6 أيّار / مايو 2021، إلى آية الله العظمى علي السيستاني، المرجع الشيعي الأعلى في العراق، في النجف، في تعزيز فلسفة اتفاقيات إبراهيم من خلال استحضار الهوية الأصلية للشيعة العربية. وتهدف هذه الاتفاقيات إلى إقامة علاقات ديبلوماسية واقتصادية دائمة، وقطع عقود من عدم الاعتراف والصراع. لكن قوى إقليمية أخرى معارضة لهذه الاتفاقيات حاولت نسفها، واعتبرتها تهديداً لنفوذها الإقليمي. إن التقارب الديبلوماسي الذي بدأته المملكة العربية السعودية ودول الخليج مع إيران يشكل رصيداً كبيرًا لاستقرار المنطقة ودفن الصراعات القديمة بين الكتلتين الأساسيتين للإسلام السياسي.
فلنتحرَّك جميعاً من أجل إنقاذ هذا العالم من أزمته الأخلاقية وتعزيز الحوار بين البلدان لتحقيق السلام الحقيقي والدائم، السلام الذي يأتي قبل كل شيء من خلال العدالة.
فلنؤمن بالإنسانية، لأن الإنسانية أقوى من الكراهية ولنروّج لثقافة التسامح والاحترام المتبادل. دعونا نحوّل الشعارات إلى واقع. في لبنان نرى أنّ مبادرات مثل الحياد الإيجابي الذي دعا إليه غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي يمكن أن توفر طريقاً نحو الاستقرار والسلام لجميع المجتمعات اللبنانية.
فهل تكون الحرب الإسرائيلية على لبنان هي الأخيرة للبنان، وتمثّل درساً يحثّ الطائفة الشيعية على العودة إلى الحضن اللبناني؟ ومن هنا، فإن مثل الابن الشاطر في الإنجيل قد يجد صدى خاصاً، فهو يرمز إلى العودة إلى الوحدة الوطنية والتعايش السلمي بين كل الطوائف اللبنانية.