عودة سوريا وعودة لبنان…أنور حرب

اما وقد أنجزت الجامعة العربية قرارها بعودة سوريا الى أحضانها عضواً فاعلاً بعد انفصال دام دزينة اعوام فرضته الحرب الأهلية، فماذا تعني العودة ومشاركة النظام السوري بالقمة العربية في جدة؟

العرب يتخاصمون مع بعضهم البعض، يتقاتلون، يتحاربون، يسفكون دماء الأبرياء والمساكين والصابرين والساكنين في بيوتهم، وبعد حين يتباوسون ويتصالحون ويتناسون المآسي التي حلّت بشعوبهم وأوطانهم وكأن شيئاً لم يكن.

هذا لا يعني اننا لا نرحب بعودة سوريا الى عروبتها والى جامعتها، على العكس انها مبادرة قد يستفيد منها لبنان، وانها خطوة تتماهى مع حالة الإنفتاح التي تسود المنطقة بعد المصالحة السعودية- الإيرانية ولكن التطرق الى هذا الحدث يستهدف أخذ العبرة على أمل التطلع الى حل الخلافات المتصلة بهذه النقلة النوعية.

العروبة بمفهومها غير اللغوي وغير الديني أي الاقليمي والاستراتيجي، تعني توحّد الدول العربية حول القضايا المصيرية، وهي التي تربطها معاهدة الدفاع المشترك، وهي كذلك تواجه عدواً اسرائيلياً يحتل دولة شقيقة هي فلسطين وأراض عربية لا بد ان ينسحب منها اذا كان جاداً في طلب السلام.

بمعنى آخر، ان عودة سوريا يجب ان تترجم عملياً بعدم تدخل الدول الخارجية في شؤونها، بدءاً بإنسحاب ايران والقوات الأميركية والتركية وحزب الله وسائر الميليشيات وفي طليعتها داعش والنصرة واخواتهما، ثم التفاهم على شكل النظام بالإعتراف بالمعارضة ومطالبها، مروراً بالشروط الدولية المطالبة بإجترام مبدأ الديموقراطية والمساواة وحقوق الانسان، وصولاً الى القضية الأبرز وهي مسألة النازحين في الدول العربية وأبرزها لبنان، وهنا بيت القصيد بالنسبة لبلاد الأرز ولشعبه واقتصاده وأمنه ومصيره.

فالنازحون السوريون هم من الناحية الانسانية مجموعات مضطهدة بأكثريتها، وقد فتح لبنان ذراعيه لإيوائهم ولكن الدافع الإنساني تحّول الى مصيبة على الوطن الصغير الذي لا يقوى على استيعابهم بأعدادهم التي توازي نصف عدد سكانه (أكثر من مليوني نازح) ولا يحتمل التغيير الديمغرافي في حال توطينهم على وقع المخاطر الأمنية وعمليات التهريب والإستيلاء على اليد العاملة ووو…

فإذا كان العرب جادين في التعاون مع النظام السوري لإستعادته الى حضن الأمة ولإنقاذه من حربه، فها هو لبنان شقيقكم الأصغر يستصرخ ضمائركم ويطلب مساعدتكم حفاظاً على وجوده واستمراريته وأمنه ونظامه ولقمة عيش أبنائه، وسعياً لعودته الى حياته الطبيعية المهددة حالياً.

فأهلاً وسهلاً بعودة سوريا.. ولكن أهلاً وسهلاً ايضاً بسلامة لبنان وبعودته الى استقراره ووجوده أولاً وأخيراً.