كتاب ليس ككل الكتب، إخراجاً، مضموناً وإعداداً.. كتاب ليس من مواليد “ثقافة التفقيس”.. وكيف يكون كذلك وهو يتعاطى مع رجل بحجم مواقف، مع قامة برسم فكر، مع مبضع يعالج الجرثومة البيولوجية والسياسية والمجتمعية، مع رؤية لا تتكل على نظريات خشبية إذ تلامس حلولاً مدروسة.
“فيليب سالم الموقف والرؤيا” كتاب بين يدي الثقافة والإبداعات، أعده الزميل أسعد خوري ليس بمهنية معروف بها ومدونة عنه وحسب، بل لأنه دخل الى جوارح ذاك البروفسور العالمي فعرف مشاعره والأحاسيس، وتعمق بمواقفه، وحلل رؤيته فكان الكتاب الذي يشبه فعلاً “البطرامي” الذي حمل في كشته الى هيوستن الأميركية، كمشة تراب من ضيعته، وغصن زيتون من حقله وحلم وطن بقيامته.
الكتاب من اطلالته أي من غلافه، يتراءى أمامك برسمه التشبيهي، رجل يشبه أرزة وخلفه أرزة وتاريخ وحكايات، وفي عينيه فعل رجاء بالانتصار وهو شابك اليدين كعلامة عزم على التغلب على التحديات والنكبات.. أو ليس هذا هو “السالمي” بالذات ذاك الرجل الذي سمعته يوماً يقول:” يا وطني لا تخف أنا هنا.. نحن هنا”. وهذا هو الصارخ ليوقظ غيبوبة اليأس مردداً:”لا تخافوا من الفشل أنه الحافظ للنجاح”.
للكتاب هدف أساسي هو التوعية حول القضية الداخلة الى ذاكرة النسيان، قضية لبنان الوطن والإنسان في لبنان الرسالة والسيادة والكيان، لبنان الحكاية والأغنية والكرامة والعنفوان، لبنان اللبناني لا الأميركي ولا الإيراني، لا السوري ولا الفرنسي.. لبنان الحياد إلا عن جغرافيته وتاريخه ومستقبله وعن عرق الأباء وتعب الأجداد وعن دماء المصابين والشهداء.
فيليب الثورة البيضاء، يكتب بمشاعر حمراء، بمشاعر ثورة لم أعد أعرف عنها شيئاً ولكنه كان ولم يزل رائدها ومرشدها ومصوّب أخطائها وهو في هذا المضمار لا يلين ولا يستكين.
وكما سعى الاستاذ اسعد في الاعداد، فالكتاب بصفحاته ال378 وبأناقته وصوره هو أشبه بانسكلوبيديا توثق محاضرات ومقالات لفيليب وعن فيليب بأقلام مفكرين ومبدعين وأدباء ومثقفين.. ولا أدعي اطلاقاً أني واحد منهم وان كنت أحد الكتاب المتواضعين الذين شملهم الوليد الجديد الذي أنزل القناع عن وجه الطبيب الشهير وأعطانا صورة مشرقة عن سيرته ورسالته وأهدافه وأفكاره والطروحات.
أو ليس فيليب هذه القامة الشاهقة وطنياً وانسانياً ومهنياً وأخلاقياً مشرأب لنتطلع اليه على حقيقته بدون بوتوكس او مساحيق لأنه “البساطة التي تصنع الجبال” كما يقول المثل الفرنسي.
نقلب الصفحات، نستعيد فيليب المبادىء، نزرع التراب الأخضر بحكايات التغلب على السقوطات، ننشند الزمن الجميل، نتسكع على مرايا الحرية، نفتش عن سيادة… وعلى فيليب “نقيض” فهو الدرة الضائعة في الأزمنة العجاف وهو الصورة المنشودة عن الوطن الجديد، وطن العلمانية المؤمنة لا الطائفية، وطن الانسانية لا الشخصانية، وطن القيادة الحكيمة لا الزعامة الفاسدة التقليدية. وطن الوطن لا السلطة، وطن الكرامة لا المحاور التي أستباحت الساحات، وطن السلام والقيامة لا وطن الحروب العبثية.. وأخيراً وطن الفرح وفلسفة الحياة لا وطن الموت.
لا أبالغ اذا قلت ان البروفسور سالم أيقظ في داخلي أسطورة قدموس وروحية شارل مالك وعبقرية جبران خليل جبران وحكايات ستي عن الماضي الأبيض وخوف والدي على المستقبل المعلق على زعل وقلق.
كلما قرأت القديس البابا يوحنا بولس الثاني وشهادته الشهيرة: “لبنان أكثر من وطن.. لبنان رسالة”..
وانت يا فيليب أكثر من طبيب ومفكر وعالم وحالم انت رسالة لوطن الرسالة.