نص كلمة الشاعر شوقي مسلماني في رثاء الإعلامي الفقيد أنيس غانم بعد القداس الألهي الذي أقيم لراحة نفسه في كنيسة مار يوحنا الحبيب للملكيين الكاثوليك في بانشبول سيدني:
“سيادة المطران روبير ربّاط السامي الإحترام.
الأخوات والأخوة، الأصدقاء والصديقات، أيّها الحضور الكريم جميعاً.
كانت الصحافة الورقيّة المهجريّة العربيّة واللبنانيّة تحديداً محوراً له الكلمة الأعلى والحضور المؤثّر، ومنها صحف “التلّغراف” و”النهار” و”الشرق الأوسط” و”المستقبل” و”البيرق” و”الأخبار” و”صدى لبنان” و”صوت المغترب” و”النهضة” و”المحرّر” وغيرها، كما مجلاّت “الفراشة”، “الدبّور” و”أميرة”. وكان من الطبيعي أن تتنافس هذه الصحف والمجلاّت لإكتساب صحفي جديد إلى صفوفها وصل حديثاً إلى سيدني من عاصمة الطباعة والصحافة، من “ستّ الدنيا” بتعبير الشاعر الكبير نزار قبّاني، وذلك في ثمانينات القرن الفائت، ولست أعني هنا بالطبع غير الصحفي المحترف الأستاذ أنيس غانم الذي كم كتب في المقالة وكم أجرى المقابلات وكم نجحت زاويته الشهيرة بعنوان “حقيبة مهاجر” فبرزت مواهبه الثقافيّة وقدراته الأدبيّة ونفحاته الشعريّة العالية.
ولم تكن لغة أنيس غانم الإنكليزيّة، وقد احتضنته أستراليا، في المحلّ المراد، وهو المتّقن للفرنسيّة، وإنّما بفترة زمنيّة قياسيّة حقّاً سرعان ما اتّقن الإنكليزيّة لتكون جسره إلى عالم السياسة الأستراليّة، وكانت الحوارات الشيّقة مع رؤساء وزراء فيدراليين ورؤساء وزراء محليين بالإضافة إلى كثير من الوزراء والنوّاب ليقدّم للقارئ العربي موضوعات من أعمق المصادر الإنكليزيّة كما كان دأبه حين عمل مذيعاً للعديد من الإذاعات الناطقة باللغة العربيّة الأشهر في سيدني وأستراليا ككلّ.
ولحيويّته، ولإتّساع دائرة نشاطه كثيراً لازم الدبلوماسيين العرب وفي الطليعة سفير لبنان الأسبق الراحل د. لطيف أبو الحسن الطيّب الذكر، مثلما لازم الكثير من رجال الدين الكبار، وفي الطليعة السامي الإحترام المطران عصام درويش أمدّ الله عمره، وأيضاً كم نشط في العمل المؤسّساتي المهجري خصوصاً في مجلس الجالية اللبنانيّة مع أصدقاء أوفياء كثر هم من مختلف الإختصاصات الطبيّة والقانونيّة والجامعيّة، وكم برع في عالم الرياضة معلّقاً وخبيراً بشهادة زملاء عرب محترفين، وإلى كلّ ما سبق كان بيته مقصد ثقافي، أدبي وسياسي، برعاية صاحبة الأصول، عقيلته الرائعة بابتسامتها الدائمة ولياقتها ورقّتها وطيبة قلبها، الفاضلة جاكلين حجّار غانم والأبناء الأحبّة روبير، نادين وجيسيكا الذين سيبقون في قلوب كلّ الأصدقاء الأوفياء.
وبخصوصه إنساناً حدّثوا بقدراته الفائقة على اكتساب الأصدقاء وخصوصاً إذا توسّم فيهم النباهة والتضحية والشجاعة، وحتى عصبيّته يوماً لم تبعد عنه محبّيه الكثر ذلك لأنّه غالباً إذا كسر سرعان ما كان يجبر، وإذا ابتعد سرعان ما كان يقترب وإذا قسى سرعان ما كانت تظهر رقّته. كان أبو روبير شاعر حياة وجبلة من لين الحبق وقوّة أرز لبنان الحزين اليوم.
رافق أنيس غانم وهو في الوطن الأم لبنان يافعاً رئيس مجلس النوّاب في حينه كامل بك الأسعد مستشاراً له إلى دولة الكويت، وصادق زعيم منظّمة العمل الشيوعي المفكّر اللبناني محسن ابراهيم، كما مشى إلى جوار مؤسّس حزب الكتائب اللبنانيّة الشيخ بيار الجميّل، ومعلوم ما بين هذه الشخصيّات من منطلقات سياسيّة وفكريّة متباينة، وهو أيضاً في أستراليا، وطنه الثاني، كم كان محلّ ثقة زعيم حزب الأحرار ورئيس وزراء أستراليا الفيدرالي الأسبق السيّد جون هاورد، تماماً كما كان محلّ ثقة زعيم حزب العمّال ورئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز السيّد باري أنزورث، ومعلوم أيضاً ما بين هاتين الشخصيتين وشخصيّات كثيرة زاملها من تباين سياسي ومنطلقات فكريّة مختلفة.
هذا هو الحبييب الراحل أنيس غانم، الشخصيّة القلقة بإعتقادي والصحفي الممتاز والعامل على كلّ ما يعتقد أنّه في خدمة الوطن الأم لبنان والوطن الحبيب الثاني أستراليا.”