لماذا تأخر البانيزي بإعلان دعم الضربة الأميركية لإيران؟

سركيس كرم

ربما يحدث للمرة الأولى في تاريخ أستراليا ان يتأخر رئيس حكومة أسترالية أكثر من 24 ساعة كما فعل الرئيس الحالي أنتوني ألبانيزي بإعلان موقف استراليا الداعم، لكن الحذر والمتردد، لعملية عسكرية أميركية. عادة يسارع رؤساء الحكومات الأسترالية في السابق الى اعلان الوقوف الى جانب الولايات المتحدة بشكل صارم كما حصل في العديد من الحروب التي خاضتها اميركا من الحرب العالمية الأولى والثانية الى فيتنام الى غزو العراق واحتلال أفغانستان وغيرها.

برز موقف أستراليا الأخير على وقع الضربات الأميركية الأخيرة ضد أهداف إيرانية، متّسماً بالتريث والدعوة إلى ضبط النفس والعودة إلى الحلول الدبلوماسية. هذا التردد لم يأتِ من فراغ، بل يعكس تحوّلاً تدريجياً في السياسة الخارجية الأسترالية، التي تحاول اليوم إعادة التوازن بين التحالفات الأمنية التقليدية والعلاقات الاقتصادية الناشئة، خاصة مع آسيا.

تاريخياً، تصنف أستراليا ضمن أقرب حلفاء الولايات المتحدة، وغالباً ما كانت تزود بمعلومات سرية دقيقة قبل قيام واشنطن بشن أي عملية عسكرية بحجم الضربات على مفاعل ايران النووية. لكن هذه المرة أستثنت الولايات المتحدة حليفتها استراليا من “حلقتها الضيقة”.

من هنا، تبدو حكومة رئيس الوزراء أنتوني ألبانيزي، ورغم استمرارها في الشراكة الأمنية العميقة مع أميركا، لا سيما من خلال اتفاقية  أوكوس، قد اختارت خطاباً أكثر حذراً وأقل حماسيّة في هذه الأزمة، داعيةً إلى التهدئة والحوار، ومشددة على ان قرار الولايات المتحدة بضرب ايران كان “أحادياً” كما جاء على لسان انتوني ألبانيزي.

هذا التحوّل، ولو جزئيًا، يشير إلى سعي أستراليا لتقليل الاعتماد السياسي والدفاعي المفرط على واشنطن، مقابل تعزيز دورها كفاعل إقليمي مستقل، خصوصًا في آسيا.

كما انه من الصعب فصل الموقف الأسترالي الأخير عن علاقتها المتشابكة مع الصين، أكبر شريك تجاري لها. فرغم الخلافات الجيوسياسية، تعتمد أستراليا بشكل كبير على السوق الصينية لتصريف صادراتها من المعادن والموارد الطبيعية والخدمات. وقد شهدت العلاقة بين البلدين بعض الانفراجات في عهد ألبانيزي، بعد توتر شديد في عهد الحكومة السابقة برئاسة سكوت موريسون. وبالتالي، فإن تبني موقف صدامي بالكامل مع إيران، حليفة بكين، أو الانخراط في تحالفات هجومية بقيادة أميركية، قد يُفسد برأي البعض في الحكومة الأسترالية الجهود لاستعادة التوازن مع بكين.

كذلك تأخذ حكومة استراليا بالإعتبار عدة معطيات اقتصادية تجعلها أكثر تشبثاً بالحلول الديبلوماسية. فأي تصعيد عسكري واسع، لو حصل، كان قد يؤدي إلى قفزات في أسعار الوقود والطاقة، ما ينعكس مباشرة على التضخم وتكاليف المعيشة.

في ظل هذه الظروف، حرص ألبانيزي على ادارة الملف بمنطق داخلي متحفظ، محاولاً حماية الاقتصاد الأسترالي من تبعات لا يملك السيطرة عليها، وتفادي تفاقم الضغوط المعيشية على المواطنين، في وقت يعاني فيه الشارع الأسترالي من موجة غلاء غير مسبوقة منذ سنوات.

الموقف الأسترالي الراهن ليس بالضرورة خروجاً من التحالف الأميركي، بل هو تعبير عن رغبة في إعادة تموضع استراتيجي حذر، يضمن الى حد ما مصالح استراليا الاقتصادية، ويحد من تداعيات قد تضر بعلاقة استراليا بجيرانها وشركائها الا قتصاديين وتنعكس بصورة أكثر سلبية على الداخل الأسترالي.

ولا تستثني استراليا من حساباتها التعرفة الجمركية الباهظة و”غير العادلة” التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على استراليا، وتفاديه إن لم نقل “امتناعه” حتى الساعة من عقد لقاء مع ألبانيزي كما كان يحصل بين قيادات البلدين في الماضي كلما كانت تقتضي الحاجة.

مما لا شك فيه ان استراليا تجد نفسها اليوم في وضع دقيق وحرج بما خص التحالف التاريخي مع واشنطن، وبما يتعلق بالواقع الاقتصادي الذي تفرضه العلاقة التجارية مع بكين، وبما قد تقدم عليه الولايات المتحدة بما خص اتفاق أوكوس والرسوم الجمركية والتبادل التجاري بعد إعلان وقف الحرب بين اسرائيل وإيران.