لمصلحة من شيطنة الدول الخليجية في لبنان؟

الكاتب محمد الرميحي

لا أريد أن أعمم، كما أني لا أريد أن يُفهم الموضوع على غير وجهه الصحيح، فهو مناشدة وعتاب، إذ أن هناك بالتأكيد شريحة من المعلقين اللبنانيين في فترة سابقة، وربما أقل في الفترة الحالية، يكيلون السباب المكرر  للدول الخليجية، وبخاصة للمملكة العربية السعودية وللإمارات، وفي بعض الأوقات لغيرهما، ويصف هؤلاء، بكلمات وعبارات غير لائقة، محاولات المساعدة الخليجية الأخوية لتعويم لبنان داخلياً ودولياً. بعضهم يسوق الأمر من منظور الاعتداد الوطني، وبعضهم يبالغ في وصف مستوى التدخل الخليجي في الشأن اللبناني، وآخرون يدّعون أن النفرة الخليجية هي لأغراض تقوية مكوّن على آخر، وكل ذلك نابع من محاولة قطع حبل الذاكرة، فعودة لبنان معافى هي الهدف،  في كل مراحل التدخل الخليجي، لا تعويقه أو كسره.

هؤلاء يقدمون أطروحتهم من خلال التخويف من إدخال لبنان في محاور أو حتى تمثيل رأس الإمبريالية الأميركية ومعاداة “محور المقاومة”! بل يأخذ بعضهم الأمر إلى درجة خارجة عن اللياقات باستخدام تعبيرات نابذة وتصل إلى اتهام  معيب بأن هناك تنسيقاً خليجياً إسرائيلياً. هذا الصنف من المتحدثين ومدّعي الاطلاع على الخفايا يضرّ بلبنان ولا يضرّ بدول الخليج، لكنه يترك مرارة في حلوق الخليجيين.

زيارة وزير الخارجية السعودي للبنان، وقبله المندوب السعودي، وأيضاً زيارة وزير الخارجية الكويتي والأمين العام لمجلس التعاون (للحديث بلسان دول مجلس التعاون) للبنان، هي زيارات خير ومحاولة لمساعدة لبنان على التعالي على جراحه التي أصيب بها في عقود سابقة، وأيضاً لتجاوز  مآسي الماضي، فقد قامت شريحة في لبنان، لأسباب خاصة بها، بهجوم شديد الضراوة على الإقليم الخليجي في العقود الماضية، وتم تجنيد بعض الخليجيين ضد دولهم، كما تم تهريب سلاح ومخدرات إلى المنطقة، ومن ثم إرسال مساعدين لجماعة الحوثي من أجل تخريب اليمن، وإن أمكن الاعتداء على الإقليم الخليجي، وصاحبت ذلك كله حملة كلامية شعواء وحملة إعلامية أكثر ضراوة.

في كل هذا الملف، فرّق أهل الخليج وساستهم بين بعض اللبنانيين وغالبية الشعب اللبناني بكل طوائفه، فكانت السوق الخليجية العملية مفتوحة في كل الأوقات لمساهمة اللبنانيين الخيّرة من كل المكونات، ولم تؤخذ الغالبية بما فعلته وتفعله الأقلية التي رهنت كل أوراقها لمشروع سياسي لا شك في أنه فاشل، لأنه ببساطة يعلي ما فوق الدولة على الدولة، وهي مراهنة باتت لأي عاقل اليوم معرّفة بنتائجها الكارثية على أعضائها وعلى الجميع.

الجميع اليوم في مكان آخر، مكان بناء الأوطان، والتوافق على مستقبل أفضل للجميع، في بلدان مستقلة تحكمها دولة جامعة، لا يتحكم فيها فريق واحد ولا سلاح خارج سلاح الدولة. هذا ما تسعى إليه الدولة السورية الجديدة، وما تذهب إليه الدولة العراقية، وهو مطلب دولي وإقليمي، بل حضاري بالغ الأهمية.

بقاء التنمر على دول عربية من البعض مضرّ، والتوصيفات التي يتبناها هي توصيفات مقززة، كالقول “تسونامي سعودي” أو “استيلاء إماراتي” أو “شنط الدولارات”، أو حتى “التدخل  السلبي” للدول الخليجية، وكل هذا في مرحلة تجتاح العالم ثورة الميديا الجديدة، وتتغير الأمور إلى فضاءات جديدة عنوانها السلم والتنمية.

لبنان بشكل عام مهم لدول الخليج، مهم لأنه منارة يحملون لها نوستالجيا خاصة، ذات جذور في جامعاتها وملتقياتها ومرابعها ومكتباتها، وحتى في بشرها المضيافين. القلة من  معلقي السلبية اللبنانيين ما زالوا ساردين في الغيّ ومقيمين للحواجز ومنفّرين للآخرين بمفرداتهم، فيما إخوانهم في الخليج لا يرغبون إلا بمساعدة اللبنانيين كي يساعدوا أنفسهم، فقيام لبنان هو حجز زاوية لقيام المنطقة، ويكفي ما أصاب الإنسان اللبناني جراء تلك المناكفات من أضرار بالغة في اقتصاده وفي إنسانه وفي علاقاته بالجوار، فهل تصل الرسالة؟