سركيس كرم
الثابت هو اننا نهاجر من لبنان لكنه لا يهجر قلوبنا.. ولذلك لن “نهاجر” ولن يهجرنا لبنان، ومن المؤكد ان أهلنا في الوطن لن يهاجروا لأن جذورهم هي من عمر لبنان..
ولن تكون الهجرة من اليوم وصاعداً إلا هجرة معاكسة نعود فيها من كل عالم الإنتشار الى لبنان..
بالمقابل، لا ولن نقبل ان يهاجر أحد من أخواننا في الوطن مهما جرى، بل نريد ان نبني وطننا الأم ودولتنا القادرة معاً خارج اطار “الإستفزازات” و”التخوين” و”العصبيات” وخطابات “المكابرة” و”الإستقواء” و”الشماتة” التي لا تخدم إلا أعداء لبنان…
الى ذلك، فاننا نثمّن تضحيات وشهادة كل اللبنانيين، بمن فيهم خيرة الشباب الذين خسرناهم في الحرب الأخيرة… فلا يكون هناك من “منتصر” على حساب جروحات ومعاناة أي مواطن..
ولن يكون هناك بمطلق الأحوال من منتصر إلا بإنتصار لبنان، كل لبنان، بالوعي والحكمة والرصانة والحوار والتضامن والإحترام المتبادل والنظرة الواقعية المشتركة نحو المستقبل الأفضل لشبابنا وأهلنا وشعبنا بأجمعه…
لذلك علينا ان نغتنم فرصة انتخاب العماد جوزاف عون، الشفاف والشهم والوطني بإمتياز، رئيساً للجمهورية، والقاضي الدولي نواف سلام رئيسا للحكومة، لنباشر ببناء الدولة القادرة والعادلة على أساس ما تضمنه خطاب القَسم والبيان الوزاري.. دولة مؤسسات ومواطنة حقة.. دولة قانون وقضاء يتمتع بإستقلالية تامة.. دولة يحميها فقط جيشها وقواها الأمنية الشرعية.. دولة نبنيها يداً بيد إذ لا يمكن ان تقوم دولة فاعلة وقوية من دون مشاركة ودعم جميع المكونات اللبنانية..
كما نريد ان نتصارح لنطوي صفحة الماضي الأليم ونزيل رواسب الشعارات الشعبوية والتكاذب والتزاكي كونه ما من فريق إلا وأرتكب أخطاء مدمرة في مرحلة من المراحل بحق الآخر وبحق نفسه.. والأهم بحق لبنان.. وقد دفعنا كلنا من دون استثناء ثمن تلك الأخطاء ..
وكم خسّرتنا الإغتيالات منذ السبعينات من القرن الماضي حتى اليوم من طاقات وشخصيات ومن بينهم رؤساء ووزراء ونواب ومسؤولون ورجال دين وفكر وإعلام.. وما خسارة كل هذه القيادات، وكيفما نظرنا اليها، إلا خسارة فادحة للبنان بجميع أطيافه..
وها نحن بالأمس، نشهد وداع سماحة السيد حسن نصرالله من خلال تشييع حاشد ضخم حضره الألاف من أنصاره ومحبيه.. ومما لا شك فيه ان السيد نصرالله كان قامة تاريخية كاريزماتية مؤثّرة تميزت بهالتها القيادية وبثقتها وبلاغتها وقناعتها الراسخة حتى الشهادة في سبيل ما تؤمن به…
الرحمة لكل شهداء لبنان من مختلف الفئات والأحزاب والطوائف الذين سقطوا في مختلف المراحل.. وعسى ان نعتبرهم في يوم من الأيام كشهداء للبنان بأسره وليس لفئة او طائفة او فريق..
فتعالوا نتعاون ونعمل سوياً من أجل وطننا ومستقبل أجيالنا الصاعدة.. ومن أجل ان يحيا اللبناني بأمل واستقرار وطمأنينة وازدهار بعد طول معاناة ما جلبت له سوى الموت والدمار واليأس والتهجير والهجرة..
تعالوا نحقق حلمنا ببناء وطن ينعم فعلاً بالأمان والسلام في ظل دولة تحمي الجميع وتحتضن كل مواطنيها بالعدل والمساواة وتتعاطى معهم على أساس ما لديهم من حقوق وما عليهم من واجبات…
تعالوا نراهن فقط على لبنانيتنا بعيداً عن “خارج” على أنواعه لا يعمل إلا ما تقتضيه مصالحه وتتطلبه أهدافه..
تعالوا لنبني الدولة اللبنانية معاً.. بسواعدنا وعزيمتنا وطاقاتنا كلبنانيين.. فقد آن الآوان لنفعل..