للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، وبعد قرارات سابقة كثيرة فشلت في التوافق لوقف إطلاق النار، تبنى مجلس الأمن الدولي، بـ«دون فيتو» القرار الأول بتأييد 14 عضواً مقابل امتناع عضو واحد، يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة.
والجديد في هذا القرار أن الولايات المتحدة أحجمت عن استخدام حق النقض «فيتو» هذه المرة، فيما ألغى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو زيارة وفد إسرائيلي إلى واشنطن احتجاجاً على امتناع الأخيرة عن التصويت.
ويدعو القرار الذي قدمه الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، مع تأكيد الحاجة الملحة لزيادة المساعدات والمطالبة بإزالة جميع العوائق أمام تسليمها.
ويطالب المجلس بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان تحترمه جميع الأطراف بما يؤدي إلى وقف دائم ومستدام لإطلاق النار، كما طالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، فضلاً عن ضمان وصول المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الطبية وغيرها من الاحتياجات الإنسانية وأن تمتثل الأطراف لالتزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بجميع الأشخاص الذين تحتجزهم.
وأكد المجلس «الحاجة الملحة إلى توسيع تدفق المساعدات الإنسانية إلى المدنيين وتعزيز حمايتهم في قطاع غزة بأكمله»، كما دعا القرار إلى رفع جميع الحواجز التي تحول دون تقديم المساعدة الإنسانية على نطاق واسع، بما يتماشى مع القانون الإنساني الدولي وكذلك القرارين 2712 (2023) و2720 (2023).
وقال مندوب الجزائر لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع إن اعتماد القرار رسالة لأهل غزة بأن المجموعة الدولية تشعر بآلامهم ولم تتخل عنهم. وقال: «نريد أن تصبح فلسطين عضواً كاملاً وسيداً في الأمم المتحدة»، وجاء تبني القرار بعدما أخفق المجلس في تمرير تعديل على المشروع بإضافة عبارة «وقف دائم» لإطلاق النار.
امتناع أميركي
واستخدمت روسيا والصين حق النقض «الفيتو» لإسقاط مشروع قرار أميركي يدعو إلى وقف لإطلاق النار «في إطار صفقة لإطلاق سراح الرهائن»، وهي صياغة وصفتها الدول العربية وموسكو وبكين بـ«المسيّسة والغامضة».
ويعد امتناع واشنطن عن التصويت تراجعاً في موقفها، خصوصاً أنه سبق للولايات المتحدة أن عارضت بشكل منهجي مصطلح «وقف إطلاق النار» في قرارات الأمم المتحدة، وعرقلت 3 نصوص في هذا الإطار، منذ بداية الحرب.
اعتراض إسرائيلي
وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، إن بنيامين نتنياهو ألغى زيارة وفد إسرائيلي لواشنطن بعد امتناعها عن التصويت على القرار الذي تبناه مجلس الأمن. وأكد الديوان أن امتناع واشنطن عن استخدام «الفيتو» لإحباط قرار مجلس الأمن «يضر بالمجهود الحربي وجهود إطلاق سراح الرهائن».
وشدد أن موقف واشنطن «يمنح حماس الأمل في أن الضغوط الدولية ستسمح لها بقبول وقف إطلاق النار بدون إطلاق سراح الرهائن» المحتجزين في غزة. وأضاف أن نتنياهو قال منذ الليلة الماضية إنه إذا تراجعت الولايات المتحدة عن موقفها المبدئي، فإنه لن يرسل الوفد الذي أعلن أنه سيذهب إلى واشنطن بناء على طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وتابع: «في ضوء تغير الموقف الأمريكي، قرر رئيس الوزراء أن الوفد لن يغادر». ووصف البيان عدم استخدام الولايات المتحدة «الفيتو» بأنه «تراجع واضح عن الموقف الأمريكي الثابت في مجلس الأمن منذ بداية الحرب».
تبرير أميركي
من جهته، قال منسق الاتصالات الاستراتيجية لمجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي: إن الامتناع الأمريكي عن التصويت على قرار مجلس الأمن «لا يمثل تحولاً في سياستنا»، موضحاً: «لم نصوت لصالح القرار واكتفينا بالامتناع عن التصويت لأن الصيغة النهائية لا تتضمن التنديد بحماس».
وأضاف كيربي: «إذا قرر الإسرائيليون عدم القدوم إلى واشنطن بسبب تصويت مجلس الأمن فسنستمر بالتواصل معهم لإيصال آرائنا».
وقالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، إن وقف إطلاق النار في قطاع غزة يمكن أن يبدأ فوراً بعد الإفراج عن أول رهينة من المحتجزين في القطاع.
وعلى الرغم من إعلان واشنطن أن موقفها لم يعد تحولاً، فإن مراقبين، رأوا في ذلك المشروع تحولاً كبيراً في موقف واشنطن التي تتعرض لضغوط للحد من دعمها لإسرائيل في وقت أسفر الهجوم الإسرائيلي عن مقتل 32226 شخصاً في غزة وفق أحدث حصيلة أعلنتها السلطات الصحية في غزة. والنص الأمريكي الذي أسقِط بـ«الفيتو» لم يدعُ بشكل صريح إلى وقف فوري لإطلاق النار؛ بل استخدم صياغة اعتُبرت غامضة.
تأييد روسي وصيني
وكان مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا قد أعلن سابقاً تأييد موسكو لوثيقة الأعضاء غير الدائمين، والتي تحظى أيضاً بدعم مجموعة من الدول العربية في الأمم المتحدة. كما أعلنت الصين دعمها لمشروع القرار، حيث قال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان: «تدعم الصين مشروع القرار هذا وتهنئ الجزائر ودولاً أخرى لعملها الدؤوب في هذا المجال».
تفاوض مدة أسبوع
ومشروع القرار الذي اعتمده مجلس الأمن هو نتيجة لعمل الأعضاء غير الدائمين في المجلس الذين تفاوضوا مع الولايات المتحدة طوال نهاية الأسبوع في محاولة لتجنب فشل آخر، وفقاً لمصادر دبلوماسية أعربت عن بعض التفاؤل بشأن نتيجة التصويت.