وسط ضجة إعلامية محيطة بمشاركة الممثل الأميركي جوني ديب، انطلقت المنافسة في مهرجان “كان” السينمائي بنسخته الـ76، أمس الثلاثاء، بفيلم “Monster” للمخرج الياباني هيروكازو كوري-إيدا، وتلاه فيلم “Le Retour” للفرنسية كاثرين كورسيني.
وسبق للمخرج هيروكازو كوري-إيدا الحصول على جائزة السعفة الذهب في العام 2018 عن فيلمه “Une affaire de famille”. ومن ثم قام بتصوير أفلام في فرنسا مع كاترين دونوف وجولييت بينوش “La Vérité”، وفي كوريا الجنوبية “Les Bonnes Etoiles”، الذي كان في المنافسة العام الماضي.
وتشارك في هذه الدورة، كما جرت العادة، نخبة من كبار السينمائيين في العالم، كما من دول عربية، وهي تونس التي تشارك في المسابقة الرسمية بـ”بنات ألفة”، المغرب بأربعة أفلام في “نظرة ما” و”نصف شهر المخرجين” ثم “مدارس السينما”، والجزائر في عروض “منتصف الليل” والسودان والأردن في أول مشاركة لهما. ويحاول مخرجون كبار، كالبريطاني كين لوتش الفائز بسعفتين، تعزيز رصيدهم من السّعف الذهب في هذه الدورة. وبلغت المشاركة النسائية في المسابقة الرسمية رقماً قياسياً، حيث تتنافس سبع مخرجات في السباق للمرة الأولى في تاريخ مهرجان “كان”.
وقبيل انطلاق الحدث، حظي الممثل الأميركي جوني ديب بترحيب حار بين كوكبة من النجوم الكبار من أمثال أوما ثورمان ومايكل دوغلاس وكاترين دونوف، رغم انتقادات جهات نسوية لهذا الاهتمام الممنوح لشخصية شكّلت موضع ملاحقة قضائية بتهمة العنف الأسري.
وببزة سوداء وشعر مصفف على شكل ذيل حصان ونظارات شمسية، استعاد نجم فيلم “Pirates of the Caribbean”، طقوس المرور على السجادة الحمراء، بعد منعه من تصوير الأفلام من جانب الاستوديوهات الهوليوودية منذ المسلسل القضائي الذي تواجه فيه مع زوجته السابقة أمبير هيرد، على خلفية اتهامات بالتعنيف.
وبعيداً من فضائح المحاكمة التي حظيت بمتابعة كبيرة، واتهامات العنف التي لم ينظر الحكم في أساسها ودأب الممثل على نفيها، التقط جوني ديب سلسلة صور ووقّع إهداءات على السجادة الحمراء، قبل حضور حفلة الافتتاح التي قدّمتها الممثلة كيارا ماستروياني، وبجانبه المخرجة والممثلة الفرنسية مايوين التي اختارته لأداء شخصية الملك لويس الخامس عشر في فيلمها “Jeanne du Barry”، الذي عُرض في افتتاح المهرجان، ما أثار انتقاد جهات نسوية.
غضب ورفض
ورداً على سؤال حول اختيار الفيلم لافتتاح الحدث، أكد المندوب العام للمهرجان تييري فريمو اهتمامه بجوني ديب “كممثل”، واصفاً أداءه في العمل بأنه “استثنائي”. وقال: “لدي سلوك واحد فقط في الحياة، هو حرية التفكير والتعبير والعمل في إطار القانون”. وأكد فريمو أنه لم يتابع المسلسل القضائي، الذي حظي بتغطية إعلامية كبيرة وانتهى بفوز ديب في محاكمة التشهير التي أُجريت في الولايات المتحدة. وواجهت أمبير هيرد سيلاً من الهجمات التي اتّسمت بطابع ذكوري في أحيان كثيرة. وغابت الممثلة مذاك عن المشهد العام، بعدما “فقدت الثقة في النظام القضائي الأميركي”، وفق قولها.
وعندما سألتها وكالة “فرانس برس” عن قرارها الاستعانة بجوني ديب، أوضحت مايوين أنها صورت فيلمها “الصيف الماضي، بُعيد انتهاء محاكمته الثانية”. وقالت: “راودتني مخاوف كثيرة، وسألت نفسي: كيف ستصبح صورته؟”. وأشارت إلى أنها “كانت تعرف جيداً ما كانت تعرّض نفسها له من خلال إسناد هذا الدور إلى الممثل الأميركي”. وأضافت: “كانت لدينا نقاط مشتركة، وقلت لنفسي إنه من الأفضل الاستعانة بممثل يتقمص الشخصية جسداً وروحاً، بدلاً من أن يذهب إليها بأطراف أصابعه”.
وأعربت منظمات نسوية عديدة عن استيائها من الاحتفاء بجوني ديب، بينها حركة “Osez le feminisme” (تجرّؤوا على النسوية) التي دعت إلى مقاطعة المهرجان. كما قالت مجموعات نسوية مختلفة إن “الشعور بالإفلات من العقاب الذي ينشأ (من اختيار هذا الفيلم لافتتاح المهرجان) يثير الاشمئزاز لدينا”.
وانتقدت مجموعة من الممثلات والممثلين الفرنسيين، القائمين على مهرجان “كان” السينمائي، لـ”إتاحة السجادة الحمراء لرجال ونساء عنيفين”، في إشارة إلى الممثل جوني ديب والمخرجة مايوين، التي تواجه بدورها دعوى قضائية، بعدما هاجمت أخيراً رئيس شبكة “ميديابارت” الإعلامية إدوي بلينيل داخل أحد المطاعم.
وفي مقالة نشرتها صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية، كتب ممثلون وممثلات فرنسيون، بينهم جولي جاييه ولوري كالامي: “نشعر بسخط كبير، ونرفض التزام الصمت إزاء مواقف للقائمين على مهرجان كان السينمائي”. وأضافت الرسالة: “من خلال إتاحة السجادة الحمراء لرجال ونساء عنيفين، يبعث المهرجان برسالة مفادها أن في بلدنا يمكننا الاستمرار في ممارسة العنف مع الإفلات التام من العقاب، وأن العنف مقبول في المجالات الإبداعية”.
وتأتي هذه المواقف بعد حوالى ست سنوات على انطلاق حركة “مي تو” المناهضة للاعتداءات الجنسية، فيما ترتسم ملامح بداية بطيئة لإعادة التوازن بين الجنسين في قطاع يهيمن عليه الرجال تقليدياً.
وعند سؤالها في مؤتمر صحافي عن حضور جوني ديب، تهربت بري لارسون، عضو لجنة التحكيم، من الردّ. وجرى التداول باسم هذه الممثلة المنخرطة بقوة في حركة “مي تو”، على نطاق واسع العام 2017، بفعل رفضها التصفيق للممثل كايسي أفليك، المتهم بالتحرش الجنسي، خلال حفلة الأوسكار.
وهذه الأسئلة المحرجة في عالم السينما لم تطغ على بريق حفلة افتتاح المهرجان، التي شهدت المرور التقليدي للنجوم، لكن بأعداد أقل مقارنة بالعام الماضي، الذي أقيمت خلاله نسخة احتفالية باليوبيل الماسي للحدث السينمائي العريق.
ومن بين نجوم حفلة الافتتاح: هيلين ميرين، بإطلالة باللون الأزرق السماوي من الفستان إلى الشعر، والممثلة الصينية جونغ لي، بفستان أسود مع ياقة دائرية، ومادس ميكلسن الذي يشارك في فيلم “إنديانا جونز” الجديد، أبرز الأعمال المقدمة في المهرجان.
ووجه المهرجان تحية إلى أحد ألمع الأسماء في هوليوود، الممثل مايكل دوغلاس الذي حصل على سعفة ذهبية فخرية من يدي النجمة أوما ثورمان التي وصفته بأنه “نجم أبدي وفنان لامع”.
وجرى الإعلان بعدها رسمياً عن افتتاح هذه النسخة الـ76 من المهرجان من جانب كاترين دونوف (نجمة الملصق الرسمي للمهرجان)، إلى جانب ابنتها كيارا ماستروياني، بعد إلقائها قصيدة دعماً للأوكرانيين.
وإلى جانب أوستلوند الذي فاز بسعفته الذهبية الثانية العام الماضي بفضل فيلمه “تراينغل أوف سادنس” Triangle of Sadness، تضم لجنة التحكيم عدداً من السينمائيين الثلاثينيين، بينهم الممثل الأميركي بول دانو، ومواطنته بري لارسون، والمخرجة الفرنسية جوليا دوكورنو.
وفي المجموع، يتنافس 21 فيلماً في السباق على السعفة الذهب، سبعة منها تحمل توقيع مخرجات نساء، وهو رقم قياسي.