في خضم التحذيرات الدولية عبر زيارات لوزراء خارجية اوروبيين أو اتصالات ديبلوماسية كان آخرها لوزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن برئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي بضرورة تجنيب لبنان الانجرار الى الحرب، فإن غالبية اللبنانيين تودّ معرفة مآل هذه الاتصالات وما هي درجة الخطورة التي لا تزال تحدق بلبنان، واذا كان يمكنه ان ينجو من الحرب ام لا في ظل حال قلق كبير من دون اجوبة شافية. يُدرج ميقاتي هذه التحذيرات ليس بمعنى التحذير المتداول بل بمعنى “البحث في الاوضاع العامة في المنطقة وانعكاسات ما حصل في غزة على كل المنطقة وتهدئة الوضع. ونحن رسالتنا واحدة وهي انه يجب الاسراع في وقف النار لأننا في سباق حقيقي بينه وبين والتصعيد . واذا حصل مزيد من التصعيد فانه لن يشمل لبنان فقط بل فوضى امنية في كل المنطقة. وهذه نتيجة او خلاصة كل الاحاديث التي تم تداولها، بمعنى ان ليس الاطراف الخارجيون مَن يقولونها أو أنا مَن اقولها”.
يحدد ميقاتي لـ”النهار” تدرّج الوضع على قاعدة ان الايام الثلاثة او الاربعة التي تلت عملية حركة “حماس” في اسرائيل كانت الامور تقاس وفقا للدقيقة الواحدة اذا كان يمكن لبنان ان يدخل الحرب أم لا. بعد ذلك باتت الامور تقاس وفقا للساعة الواحدة وتطور الامور تبعاً للساعات وبتنا اخيرا وفقا للايام. وهذا لا يعني ان امكانات التصعيد لم تعد موجودة او الغيت او انه يجب ان نطمئن”. وهو يحرص على عدم استخدام هذه الكلمة في هذه المرحلة الغامضة وغير الواضحة، اذ لا يريد ان يخيف اللبنانيين بقوله انه غير مطمئن ولا يريد ان يطمئنهم في وقت ان الكثير من الامور على المحك، اذ يعتبر انه على رغم ما يجري جنوباً فان “الامور تحت السيطرة ومن ضمن شروط اللعبة، ولكن ما يخيف الجميع هو قدرة الاطراف المعنية على قلب الطاولة لاسباب او اعتبارات مختلفة فيما أسعى الى تجنب ذلك بكل قوة”.
وعن طبيعة الرسائل الدولية ومضامينها في وقت قد يكون ما يُطلب من الحكومة يتخطى قدراتها فيما مفتاح التصعيد يكمن في لبنان كذلك يؤكد ميقاتي: “ان لا رسائل محددة بل اصرار على ان هذه الدول تتمنى ان ينجو لبنان، مؤكدة انها تعرف الضغوط التي تواجهها الحكومة والاتصالات التي يقوم بها رئيسها، وهي تشجعه وتقدم الدعم له على قاعدة ان هذه الدول تريد ان يبقى لبنان في منأى عن اي صراع او حرب في المنطقة، ورسالة مسؤوليها اننا نطلب منك ذلك ونحن نعمل اقليميا”. ويبدو بحسب ميقاتي “ان هناك عملا جديا جدا على الصعيد الاقليمي، لا اعرف كيف يحصل، ولكنه عمل يتعدى حدود لبنان وكل الدول تتحدث مع بعضها راهنا”.
ويشير ميقاتي الى 3 مسارات يجرى العمل عليها. المسار الاول هو خط المواضيع الانسانية وتأمين الحاجات الضرورية لغزة وهو في عهدة مصر . والمسار الثاني هو موضوع الرهائن ووقف النار والسعي الى تخفيف التصعيد وحتى وقفه وهو في عهدة قطر. وهذان المساران يتحركان راهنا، في حين ان المسار الثالث الذي يحتم ان يبرز لاحقا هو المسار السلمي الذي لن ينطلق من دون قيادة المملكة العربية السعودية ويرتبط به ايضا مدى التقارب السعودي – الايراني.
وينبغي الاقرار بان “احد الجوانب المخيفة في الاحتمالات المفتوحة على الحرب، ان لبنان يواجه العاصفة العاتية بحكومة تصريف اعمال ما القى على رئيسها مسؤولية مخيفة اضافية على نحو مفاجىء في ظل حكومة غير فاعلة يقاطعها فريق من القوى السياسية، فيما يقع عليها اتخاذ قرارات على مستوى المرحلة والبلد في حال كارثية على غالبية المستويات، بحيث ان استعراض الاجراءات التي يتعين على لبنان اتخاذها او اقرارها في حال الحرب يكفي لوحده لكي يرتعد المسؤولون فكيف بوقوع الحرب فعلا لان ايام لبنان صعبة بما يكفي راهنا وستكون اصعب بكثير اذا تطورت الامور سلبا”.
ووجود حكومة تصريف اعمال، اي غياب رئيس للجمهورية، كان وراء التساؤلات الكثيرة اذا كان ذلك سبب عدم دعوة مصر لبنان للمشاركة في قمة مصر للسلام التي دعا اليها الرئيس عبد الفتاح السيسي فيما يواجه لبنان مخاطر كبيرة بتمدد انعكاسات حرب غزة عليه، في وقت افادت معطيات ديبلوماسية “النهار” انه ليس السبب الحقيقي او الفعلي، اذ ان الاتصالات الاولية حين وُجهت الدعوات ولم تشمل لبنان اظهرت وجود قرار مصري بعدم دعوة دول المواجهة الى المشاركة في القمة وفقا لاتصالات تحدثت معلومات ان رئيس حكومة تصريف الاعمال اجراها مع الديبلوماسية المصرية. اي ان الدعوة لم تشمل لبنان او سوريا او فلسطين او اسرائيل، فيما افادت المعلومات نفسها ان الاردن لم يرغب في تغييب فلسطين عن القمة وكان اصرار من الملك الاردني على مشاركة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس فيها. الموضوع اثير بالنسبة الى البعض من زاوية ان لبنان لا يجب إلا ان يكون الى اي طاولة من هذا النوع، حتى لو ان غياب اي تفاهم او اتفاق عن القمة خفف من خسارة لبنان عدم مشاركته فيها.
واذا كانت الامور قد باتت تقاس بالايام وفقا للرئيس ميقاتي وليس بالدقائق او الساعات، فهذا مسار تفاؤلي الى حد ما، علما ان بعض المعلومات الديبلوماسية تفيد بان التفاؤل بمعنى التفاؤل لا يجوز ادخاله الى المفردات راهنا اقله ليس قبل اواخر نهاية هذا الاسبوع على الاقل، لان سيف عدم التوصل الى وقف للنار في غزة مصلت فوق رأس لبنان لا بل فوق رأس المنطقة، لان الحرب اذا تجاوزت غزة لن تصل الى لبنان وتنحصر فيه كما في العام 2006 بل ستتجاوزه الى المنطقة . ولكن اذا من ايجابية ملموسة حتى الآن يمكن الركون اليها ولا يجوز التفريط بها فهي ان لا انفراط داخليا حصل ولا يزال محميا حتى الآن في هذا الجانب على الاقل.