ألقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كلمة في مؤتمر روما لمناقشة الهجرة عبر المتوسط، استهلها بتوجيه الشكر لرئيسة مجلس الوزراء الايطالي جورجيا ميلوني والحكومة الإيطالية “على تنظيم هذا الاجتماع المهم بشأن التنمية والهجرة، حيث لا ازال اذكر جيدا أول لقاء لي مع السيدة ميلوني في شهر آذار الماضي، وناقشنا كيفية معالجة أحد الموضوعات الرئيسية المشتركة التي يواجهها كلا بلدينا: الهجرة غير الشرعية في إيطاليا ومشكلة اللاجئين في لبنان. وخلال اجتماعنا هذا، أكدنا أهمية عقد طاولة حوار أو مؤتمر دولي يجمع كل البلدان والأطراف الدولية المعنية”.
وقال: “أود أيضا أن أشدد على أن اجتماع “عملية روما” يشكل خطوة أولى نحو وضع شراكة استراتيجية قوية وتعزيز التنسيق بين الاتحاد الأوروبي وبلدان البحر الأبيض المتوسط ولبنان. هدفنا المشترك هو التصدي بفعالية لأزمة اللاجئين، بطريقة تتماشى مع توقعات سكان المنطقة، وحماية السلام والأمن في لبنان، ومساعدة أوروبا على معالجة بعض المسائل المرتبطة بالهجرة والتنمية، وذلك بهدف إعطاء الأولوية للحفاظ على الأرواح والاستقرار الداخلي والأمن في دولنا”.
أضاف: “أقف أمامكم اليوم لتسليط الضوء على بعض القضايا العاجلة التي لا تؤثر فقط على كل منطقة البحر الأبيض المتوسط بشكل عام، لكن لها الوقع والأثر شديد على بلدي لبنان بشكل خاص وهي: الهجرة، أزمة اللاجئين، الأمن، السلام، الاستقرار والازدهار”.
وتابع: “على الرغم من عدم توقيعه اتفاقية مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 1951، يجب الاعتراف بالمرونة والرحمة التي أظهرها لبنان في توفير المأوى والمساعدة للسوريين خلال الحرب السورية، وذلك بموارد محدودة للغاية، ونقص شديد في فرص العمل الجذابة في البلاد، إلا أن اللبنانيين رحبوا باللاجئين بأذرع مفتوحة، وتقاسموا معهم كل ما يملكون لدعمهم خلال هذه الأوقات الصعبة. 75 عاما من التحديات المؤرقة والصراعات والحروب الدورية وخيبات الأمل العابرة للأجيال والفرص الضائعة واستراتيجيات التنمية غير الملائمة تفوق قدرة بلد واحد على التحمل!”.
وقال: “كما تعلمون جيدا، أجبر الصراع في سوريا الملايين من الناس على الفرار من ديارهم، بحثا عن السلامة والمأوى في البلدان المجاورة مثل لبنان. ومع ذلك، فإن السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه: ما الذي يتصوره هؤلاء اللاجئون لمستقبلهم؟ هل يرون لبنان موطنهم الدائم، أم أنهم يطمحون إلى الوصول إلى أوروبا بحثا عن فرص واستقرار أفضل؟ الإجابة معقدة وتختلف مع اختلاف التطلعات الفردية، ويجب علينا جميعا اليوم فهم هذه الآمال والتطلعات، لوضع سياسات ملائمة لمعالجة هذه المسألة. وموقف الحكومة اللبنانية من هذا الموضوع هو التالي: بما ان الصراع في سوريا انتهى، نحتاج إلى وضع خطة للعودة الآمنة والمضمونة لجميع اللاجئين إلى وطنهم. ويجب على المنظمات الدولية والجهات المانحة، عوضا عن تمويل إقامتهم في لبنان، إعادة توجيه هذه الأموال لدفعها وبشروط للأفراد والأسر التي تقرر العودة إلى وطنها. حاليا يعتبر الوضع في لبنان حرجا بشكل خاص، وذلك بعد استضافته احد أكبر أعداد اللاجئين بالنسبة لعدد السكان في العالم! وهذا الوضع الحالي يصبح غير مستدام بشكل متزايد يوميا. فلبنان، البلد الصغير نسبيا والبالغ عدد سكانه 5 ملايين نسمة، يتحمل الآن مسؤولية استيعاب حوالي مليوني لاجئ سوري. ولتوضيح هذا الموضوع، سيكون الأمر كما لو أن إيطاليا تستقبل وتستضيف 20 مليون لاجئ! يضع هذا العبء غير المتناسب ضغطا هائلا على البنية التحتية والاقتصاد والنسيج الاجتماعي في البلاد، التي تضررت بالفعل بشدة من أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة”.
وأردف: “للأسف، يبدو أن قرار برلمان الاتحاد الأوروبي الأخير (RC-B9-0323-2023) يتغاضى عن التعقيدات والتحديات المتعددة الأوجه التي تواجه لبنان. فبدلا من الاعتراف بمرونة بلادي وتحفيزها- وبيقظة القوات المسلحة اللبنانية- في مواجهة أزمة اللاجئين، نجد أنفسنا موضع لوم، أو بالأحرى معاقبين على حسن ضيافتنا وجهودنا! بالتالي، أود أن أكرر خيبة أمل لبنان للقرار الأخير الذي أصدره برلمان الاتحاد الأوروبي. هذا القرار هو انتهاك واضح للسيادة اللبنانية ولا يأخذ في الاعتبار مخاوف اللبنانيين وتطلعاتهم. إن الضغط الذي تفرضه هذه الأزمة علينا والتداعيات الشديدة للوجود الطويل الاجل للنازحين السوريين في لبنان يزعزع استقرار النسيج الاجتماعي في البلاد ويشكل تهديدا مباشرا على وجوده كنموذج للتنوع. ان لبنان يتحمل هذا العبء الكبير باستضافة اللاجئين السوريين منذ 12 عاما. في حين تشهد بلادي أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها. مواردنا محدودة للغاية، إن وجدت، لاحتواء تأثير أزمة اللاجئين هذه على نسيج المجتمع اللبناني والبنية التحتية بشكل عام. لبنان على أهبة الاستعداد للدخول في حوار بناء وتعاون مع جميع الشركاء الدوليين لوضع خارطة طريق مشتركة لمعالجة هذه الأزمة، ونحن حريصون على تعزيز تعاوننا مع الاتحاد الأوروبي في هذا المسعى”.
وتابع: “من الأكيد انه لا يمكن التقليل من شأن العلاقة الترابطية بين الفقر وتداعياته السلبية، حيث تشكل الظروف المعيشية الصعبة ارضية خصبة للغضب والسخط، والذي بدوره يمكن أن يؤدي زوال الامل والثقة، واليأس، في بعض الحالات، الى التطرف والإرهاب. يجب عليكم الاخذ بعين الاعتبار ما يلي: إذا كنتم تعتقدون ان كلفة معالجة أزمة اللاجئين باهظة للغاية بالفعل، فاستعدوا لظهور “جيل ضائع” يتألف من عدد لا يحصى من الشباب والشابات الذين يتحملون الآثار المدمرة للحروب الدورية والصراعات واستراتيجيات التنمية غير الملائمة وانعدام التعليم السوي والبطالة المتفشية. لا يستطيع لبنان، ولا يجب أن يتحمل عبء أزمة اللاجئين لوحده! أناشد المجتمع الدولي اعتماد بلدي نموذجا في حل هذه الأزمة، على ان يكون نموذجا للدول الأخرى التي تصارع تحديات مماثلة. في هذا السياق، من المهم التأكيد على أهمية تقاسم المسؤولية والأعباء بين الدول. أظهر لبنان كرما ملحوظا منقطع النظير في استيعاب اللاجئين، مما يؤكد على الحاجة الملحة والضرورية لتعزيز دعم المجتمع الدولي لهذه المساعي اللبنانية. ويتطلب تحقيق هذا الهدف تعزيز التعاون والتنسيق بين البلدان، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخبارية وتخصيص موارد كافية لتحصين تدابير مراقبة الحدود. كما يتطلب تأمين مساعدة مالية عالمية فورية للبنان، وتعزيز أمن الحدود، ومكافحة الشبكات الإجرامية العاملة في الاتجار بالبشر، والاستثمار في مبادرات بناء القدرات، وتبادل أفضل الممارسات لإدارة اللاجئين”.
وختم ميقاتي: “تعد الهجرة والتنمية وأمن البحر الأبيض المتوسط وأزمة اللاجئين في لبنان تحديات مترابطة بين بعضها وتتطلب تضافر جهودنا جميعا لحلها. فلنسع معا لتحقيق مستقبل يجسد الأمن والاستقرار والتعاون والازدهار لشعوب منطقة البحر الأبيض المتوسط”.