35 عاماً على اللامركزية الإدارية.. والمشروع حبر على ورق والعقبة الأساسية عند السلطة

35 عاماً على اللامركزية – شؤون وأحداث

الكاتب: منال شعيا

مشروع قانون اللامركزية الإدارية: يعود تاريخه الى تاريخ اتفاق الطائف. 35 عاماً والمشروع “يلفّ ويدور” حول نفسه، دون أي تقدم.

هو بند واضح ضمن بنود وثيقة الوفاق الوطني، لكنه لم يتحول الى المنحى العملي – التطبيقي،

على الرغم من المحاولات الكثيرة لإقراره. فما العقبات الجدّية التي تحول دون التنفيذ؟

مشروع اللامركزية على رف الانتظار

والأهم، أليس هذا المشروع حاجة ملحة أكثر من قانون الانتخاب الذي يدخل مجدداً “البازار السياسي”؟

باختصار، إن عدم وجود سلطة قادرة على فهم أهمية اللامركزية، أو بالأحرى عدم رغبتها في إقرار القوانين المنظمة لها،

يضع مشروع اللامركزية على رف الانتظار، وخصوصاً أن تقهقر السلطة على صعيد تأمين الخدمات الأساسية الملّحة للمواطن،

بات يجعل من تطبيق اللامركزية أمراً أكثر من ملحّ.

مسار طويل

35 عاماً على اللامركزية

ليست بجديدة أبداً حكاية اللامركزية الإدارية، وآخر المحاولات الجدية نحو إقرار المشروع أو محاولة البحث فيه،

كانت في عهد الرئيس ميشال سليمان عام 2012، حين أصدر حينها رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي

قراراً حمل الرقم (166) شكّل بموجبه لجنة لإعداد مشروع قانون لتطبيق اللامركزية الإدارية برئاسة وزير الداخلية والبلديات السابق زياد بارود.

نحو 50 جلسة عمل، عقدتها اللجنة آنذاك في القصر الجمهوري في بعبدا وأنجزت خلالها مشروع قانون اللامركزية الإدارية،

إضافة إلى التقرير الذي يفسّر مشروع القانون والأسباب الموجبة ويشرح كل الخيارات التي اعتمدتها اللجنة.

لا بل أكثر، استعانت اللجنة بخبراء في مسائل مختلفة عندما دعت الحاجة، وفي نهاية المشوار،

أرسلت مشروع القانون إلى مجلس النواب لإقراره.

حكاية جديدة في المجلس

ومن هناك، بدأت حكاية جديدة في المجلس. سريعاً، قدم رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل

اقتراح قانون حول الغاية نفسها، متبنّياً مشروع بارود. ومع تحويل مشروع القانون إلى البرلمان،

أُنشئت لجنة فرعية برئاسة النائب جورج عدوان، ضمّت ممثلين عن معظم الأحزاب والكتل النيابية.

بقيت اللجنة تناقش وتبحث حتى عام 2019، حين عصفت بالبلاد أزمات متتالية لم يخرج لبنان بعد من تداعياتها.

شُلّ مجلس النواب وتوقفت معها آليات العمل في معظم المؤسسات.

وعلى الرغم من إجراء الانتخابات النيابية عام 2022، وتكوين مجلس نواب جديد، لم يتحرك إقرار اللامركزية قيد أنملة.

فهل العقبة الأساسية هي عند مجلس النواب نفسه؟

وضع التشريع على الرف

ما هي إلا أشهر معدودة حتى غرق مجلس النواب، منذ أواخر تشرين الأول 2022، في جلسات انتخابية، بلا جدوى.

ووضع التشريع على الرف، ما خلا جلسات اشتراعية محدودة ضمن ما يُعرف بـ”تشريع الضرورة”،

لكن لم يدرج مشروع قانون اللامركزية على أي جدول من جداول هذه الجلسات، وكأنه لزوم ما لا يلزم.

تكشف مصادر نيابية لـ”النهار” أن أكثر من 67 جلسة نقاش استغرقها مشروع اللامركزية، بين جلسة بارود وجلسات اللجنة الفرعية لاحقاً،

وأن النواب من مختلف الكتل النيابية، طرحوا كل هواجسهم وتساؤلاتهم خلال النقاشات

التي كانت تجرى داخل اللجنة الفرعية. كان النقاش أكثر من جدي وفعّال.

ديوان المحاسبة المؤخّرة

لقد اكتمل الملف بالكامل من حيث النقاشات وتوضيح النقاط، والكرة باتت أمام الهيئة العامة التشريعية”، وتتدارك الأوساط:

“هذا إذا صفت النوايا وصدقت”.

سلطة لا تريد

من المعلوم أن مشروع قانون اللامركزية يقوم على مستوى مجالس محلية منتخبة تتمتع بالشخصية المعنوية

وبالاستقلالين الإداري والمالي، وهو يعتمد القضاء وحدةً لامركزية، ويبقي على وظيفة المحافظ كصلة وصل بين المناطق والمركز.

هكذا، بقيت البلديات أيضاً وحدات لامركزية أساسية ولم يُمسّ بصلاحياتها أو بأموالها، بل استبدل الصندوق البلدي المستقلّ

“بصندوق لامركزي” خاضع لرقابة ديوان المحاسبة المؤخّرة، بلا رقابة مسبقة.

استيفاء الضرائب والرسوم

ولعل أبرز ما نص عليه مشروع القانون هو استيفاء الضرائب والرسوم وتوزيعها بين المناطق بعدالة،

إذ يمكن للمناطق الأقلّ قدرة أو إمكانية، أن تأخذ أموالًا للمشاريع التنمويّة من “الصندوق اللامركزيّ”.

بهذه الطريقة، تُحفظ حقوق المناطق التي لا تملك موارد كافية، وتصبح المناطق الى حدّ ما متوازنة.

كل ذلك، لا يزال مجرد عناوين. وربما باتت اللامركزية اليوم أكثر إلحاحاً مثلاً من إقرار قانون جديد للانتخاب،

لأن القانون الأخير موجود، فيما اللامركزية التي تؤثر حكماً على الإنماء المناطقي والتوازن لا تزال غير مطبّقة،

فيما يمكن أن تؤمن الكثير من الاكتفاء الذاتي للبلديات كي تنهض بمناطقها وتؤمن الخدمات الأساسية للعيش.

السلطة لا تريد فعلاً إقرار اللامركزية

“لامركزية قوية تحتاج حكماً الى سلطة مركزية قوية وفاعلة”: هذه هي المعادلة التي يُفترض أن يطبقّها

أي بلد يريد فعلاً الحفاظ على مؤسساته وكيانه. فلا الأولى تلغي الثانية أبداً، ولا الثانية تصادر إمكانيات الأولى.

لكن تبدو المعضلة حالياً أن السلطة لا تريد فعلاً إقرار اللامركزية.

تلفت المصادر الى أن “الحاجة الى قانون الانتخاب تظهر ربما كل أربعة أعوام، فيما الحاجة الى اللامركزية هي حاجة يومية في تدبير شؤون الناس ضمن مناطق سكنهم وعيشهم، ولا سيما في ظل الظروف الضاغطة، إن كان على صعيد الكهرباء أو الماء أو غيرهما من مقومات الحياة”.

لا شك في أن الانتقال الى اللامركزية الإدارية يطرح معه الكثير من الإشكاليات والتحديات أمام البلديات نفسها، ولا بد من وضع استراتيجية محددة في هذا المسار حتى تأتي اللامركزية خدمة للغاية المرجوّة منها أي تلبية حاجات المواطنين ورفع مستوى الإنماء، وإلا نصبح أمام انهيار تام ومزدوج: مركزي… ولامركزي!