كلمة سيادة المطران أنطوان-شربل طربيه خلال لقاء رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون

كلمة سيادة المطران أنطوان-شربل طربيه، راعي أبرشية أستراليا ونيوزيلندا وأوقيانيا المارونية
خلال لقاء الجالية اللبنانية الأسترالية

 مع فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية، العماد جوزاف عون

24 تموز 2025

فخامةَ الرئيس،

من بلدٍ بعيدٍ بعيد، نأتي إليكم،

من قارّةٍ شاسعةٍ هي أوقيانيا، نَحُطُّ في لبنان، نَعودُ إلى وطنِ الأرزِ والحرف، لِنأخذَ حفنةً من ترابِه الذي سَقاه عَرَقُ الآباءِ والأجداد، ودمُ الشهداءِ، لِتكونَ ذِكرى صالحةً، وعلامةَ عزٍّ وكرامةٍ وعنفوانٍ لنا وللأجيالِ القادمة.

فلا الحُبُّ يُعرَفُ بالمسافات، ولا القلبُ يَضيقُ بمَن يُحِبّ، أو يتراجعُ أمامَ التضحيات، لأنّه، وكما قالَ الربُّ يسوع: «ما مِن حُبٍّ أعظمُ مِن أن يَبذُلَ الإنسانُ نَفسَهُ عن أحبّائِه» (يوحنّا 15: 13).

صَحيحٌ أَنَّنا جاليةٌ لبنانيَّةٌ أُستراليَّة، وتاريخُ الهِجرةِ يَعودُ إلى مُنتَصَفِ القَرنِ التَّاسِعَ عَشَر، ولكنَّهُ صَحيحٌ أيضًا أَنَّه، رغمَ المَسافاتِ الَّتي تَفصِلُ أُستراليا عن لبنان، لم ولن يَنسَ اللبنانيُّونَ الأُستراليُّونَ وَطنَهم الأُم، لأنَّهُ يَتَجلّى فيهم، ويَحتَلُّ مكانتَهُ في وِجدانِهم وقُلوبِهم.

لبنانُنا هو نحن، أينما كُنّا، ومهما بَعُدَتِ المسافات، فلا الهجرةُ ممحاةٌ، ولا الانتشارُ منفى.

نَحمِلُ هويّتَنا باعتزازٍ، وندافعُ عن وطنِنا وشعبِنا بفخرٍ، ونعملُ معكم وإلى جانبِكم، كي يعودَ السلامُ والازدهارُ والاستقرارُ إلى هذا الوطنِ الحبيب.

كلُّنا، يا فخامةَ الرئيس، نَعتزُّ ببطاقةِ الهويّةِ اللبنانيّة، ولو دامعةٍ اليوم، أكثرَ بكثيرٍ من احترامِنا لجوازِ السفر.

أُطمئنُكم، فخامةَ الرئيس، أنّنا  متمسّكونَ بلبنان، كما نعملُ، بضميرٍ وفعاليّةٍ، من أجلِ بلدَيْنا معًا: لبنان وأستراليا. نحن لا ننكرُ ولا نَتَنَكَّرُ لأستراليا، فقد أعطَتنا الكثير، كما أعطيناها شبابًا وعُمرًا وعَرَقَ الجبينِ.

لقاءُنا اليومَ مع فخامتِكُم، ثلاثيُّ الأبعاد:

  1. نُعبِّرُ أولاً عن ثقتِنا الكاملةِ بكُم وبعهدِكُم، ولا نُزايدُ عليكم لا بمحبّةِ لبنان، ولا بالدفاعِ عنه. ولتَصمُتِ الأصواتُ التي تُعادي وتَدَّعي. يقولُ الربُّ يسوع في إنجيلِ القدّيس لوقا: «ليس أحدٌ يجعلُ خمرًا جديدةً في زقاقٍ عتيقة…بل يَجعلونَ خمرًا جديدةً في زقاقٍ جديدة، فتُحفَظَ جميعًا» (لوقا 5: 37-38).

أنتُم، يا فخامةَ الرئيس، هذه الخمرةُ اللبنانيّةُ الجديدةُ الطيّبة، التي تحتاجُ إلى زقاقٍ وطنيٍّ جديدٍ ومتجدِّد، تعملونَ، وكُلُّنا معكُم، على إنجازِه، بمعونةِ الله، ليَحفَظَ لنا لبنانَ وشعبَه المنتشرَ والمقيم.

  1. نَلتزِمُ، أمامَكم، بالعملِ من أجلِ وطنِنا لبنان، ونتعهَّدُ بتنفيذِ هذه الالتزاماتِ التي توكِلونَها إلينا، ولن نُقصِّر. وثِقوا، يا فخامةَ الرئيس، أنّنا لسنا شيكاتٍ وأوراقًا نقديّة، بل نحن ضمائرُ وقلوبٌ وعقولٌ وأيادٍ تعملُ في سبيلِ لبنان.
  2. نَلتزِمُ معكُم بلبنانَ الرِّسالة، كما دعاهُ البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني، لأنّ لبنانَ رسالةُ حرّيّةٍ وحركةِ انفتاحٍ، ونموذجُ حوارٍ للشرقِ والغرب. هذه الحرّيّةُ هي الضمانةُ للوحدةِ ضمنَ التعدديّة، فلا تفريقَ ولا تمييز، نحن لبنانيّون، ولن تكونَ للطوائفِ والأحزابِ والمناطقِ أسبابٌ للتفرقةِ أو التجزئةِ أو الانقسامِ.

فخامةَ الرئيس،

أدعوكم إلى زيارةِ الجاليةِ اللبنانيّةِ في أستراليا، التي تَتطلّعُ إلى فخامتِكُم بعينِ الرجاءِ، وكلُّنا أملٌ أنَّ مسيرةَ العهدِ الجديد التي انطلقت مع انتخابِكم، سوف تصلُ بلبنانَ إلى بَرِّ الأمان. وأنَّ زيارتَنا للبنانَ في الصيفِ المقبل ستكونُ لِتهنئة فخامتكم على إنجازِ ما أطلقتُموه في خطابِ القَسَم، خصوصًا في ما يتعلّقُ بحقِّ الدولةِ في احتكارِ السلاح، والإصلاحِ الإداري، ومكافحةِ الفساد، ومحاكمةِ الفاسدين، وكذلك إنجازِ الانتخاباتِ النيابيّة، ضامنينَ حقَّ المنتشرينَ بالتصويتِ بحرّيّةٍ في دوائرِهم الانتخابيّة، حيثُ مكانُ قيدِهم في لبنان، كما جرى في انتخاباتِ عامَيْ 2018 و2022.

أملُنا كبيرٌ بأنّنا سنعودُ إلى لبنان، سنعودُ كِرامًا وأحرارًا. ورغمَ الكوارثِ والمصائبِ والحرائقِ والزلازلِ التي تُحيطُ بنا وبالشرقِ عامّةً، ورغمَ الحديثِ عن خرائطَ ومِقصّات، نحن متمسّكونَ بهذا الوطن، بكلِّ عائلاتِه الروحيّة، وبكلِّ مناطقِه، وبكلِّ شبرٍ من أرضه.

ومعكُم، يا فخامةَ الرئيس، نُحقّقُ الأحلامَ أفعالًا من أجلِ لبنان.

عِشتُم وعاشَ لبنان وعاشت أستراليا.