250 كيلوغراماً من المواد الشديدة الانفجار، كانت كافية لقتل مشروع المصالحة الوطنية والوفاق. 250 كيلوغراماً من المتفجرات قتلت رينه معوض، شهيد الاستقلال.
عُرف عن رينه معوّض نزوعه نحو استقلال القرار اللبناني، خصوصاً انه من المدرسة الشهابية. يجمع السياسيون على أنه من الزعماء الموارنة المعتدلين. حافظ على علاقة ودية مع الجميع في الداخل والخارج. كان يعرف المعادلات التي تحكم لبنان، فشكل نقطة تلاق بين السياسات الاقليمية والدولية في لبنان.
بعد انعقاد مؤتمر الطائف، والتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، بحلول عامي 1989 و 1990 لتثيبت الحجر نحو اعادة بناء الدولة، عبر تطبيق عملي لاتفاق الطائف، حصل توافق اقليمي على انتخاب رينه معوض في 5 تشرين الثاني 1989 رئيسا للبنان. مهمة معوض كانت خلق دينامية داخلية لتطبيق الطائف.
كشف الرئيس معوّض بشكل واضح قناعاته في الحكم، “لا وطن ولا دولة ولا كيان من دون وحدة الشعب، ولا وحدة من دون وفاق، ولا مصالحة من دون تسامح وتضحية، ولا شيء من كل هذا من دون ايمان ومحبة”. فأغتالوه قبا ان يستطيع تنفيذ هذه القناعات بشأن المصالحة اللبنانية.
تلقى رينه معوّض تحذيرات كثيرة ونصائح بعدم حضور احتفال الاستقلال. فلم يقتنع. أصرّ على أن يعطي اللبنانيين بارقة امل انه يمكن إخراج الدولة من تحت الانقاض، ولو كان الثمن حياته.
اغتال رينه معوض من قرر قتل الطائف وقتل نتائج الطائف، وبالتالي يجب التفتيش على من له مصلحة بإسقاط الطائف. وهذا يعني أن اغتيال معوض هو اغتيال سياسي بامتياز. هو اغتيال لمشروع المصالحة الوطنية والوفاق.
مارس الرئيس الشهيد اقصى درجات الاستقلال في القرار الوطني في موضوع تشكيل الحكومة الأولى بعد الطائف إذ أصّر ان تشكيل الحكومة مسألة سيادية لبنانية وان الحكومة يشكلها الرئيس المكلف بالتعاون مع رئيس الجمهورية من دون تدخل خارجي.
قال رئيس “حركة الاستقلال” ميشال رينه معوض في ذكرى لإستشهاد الرئيس معوض “جسّد الرئيس معوض قناعاته الشهابية، برئاسته وباستشهاده. جسّد الدولة القوية التي وحدها تجمعنا كلنا وتستوعبنا كلنا وتحمينا كلنا. الدولة القوية، هي المشروع المشترك الوحيد القادر على جمع اللبنانيين. الرئيس رينه معوض الذي رفض الخضوع حتى الاستشهاد، كان رئيسا قويا بشهادة كل اللبنانيين على تنوّعهم”.
وأضاف: “نعم كان رئيسا قويا، مع انه لم يكن لديه ميليشيا أو يحمل سلاحا. كان رئيسا قويا لأنه جسّد لبنان القوي، لبنان السيّد الحّر المستقل. كان رئيسا قويا لأنه جسّد الدولة القوية. دولة ترفض أن تزّج لبنان بلعبة المحاور. دولة تسيّج حدودها وتحتكر السلاح وقرار السلم والحرب. دولة تحترم دستورها، وليس ميثاقية مفترضة فوق الدستور. دولة تمتلك هيبة وتبسط سيادة القانون على كل اللبنانيين مهما علا شأنهم، وفي كل المناطق اللبنانية. دولة المؤسسات، دولة الشفافية والحداثة وليس دولة الفساد والشلل. دولة ديمقراطية فيها أكثرية تحكم وأقلية تعارض، وليس مجلس عشائر يتقاسم الحصص والجبنة وحتى “الزبالة”. دولة تحترم شعبها وتعيد ثقة اللبنانيين كلّ اللبنانيين بوطنهم”.
وتابع معوض: “الرئيس القوي هو الذي يبني هذه الدولة. فـ”كفانا رهانات وكفانا مغامرات”. هذا الكلام للرئيس رينه معوض، وأضيف عليه “كفانا صفقات”، بعد كل ما يحصل لنا ومعنا، وبعد “الهريان” الذي يطالنا جميعاً”.
ورأى انه “بعد استشهاد الرئيس معوض، تأسّف عليه الكثيرون، ممّن كانوا معه أو ضده، ويقولون “دعانو كان فرصة للبنان”. لكن أقول: “كفانا بكاء على الأطلال. لأنه اذا استمرينا بهذا الأسلوب، خوفي أن نصل ليوم نتحسر فيه على لبنان، ونقول “دعانو لبنان”.
النائب السابق جواد بولس قال ان الرئيس معوض كان من عداد الرجال الذين توفرت فيهم المقومات السياسية والطاقات القيادية والميزات الشخصية المناسبة لمواكبة لحظة تاريخية معينة واستغلال ظروفها والتعامل مع الأطراف الموثرة أثناءها بهدف قيادة لبنان نحو برّ الأمان لولا اغتياله. وقد أدرك القتلة هذه الحقيقة، وهم العارفين بشؤون لبنان أكثر من القسم الأكبر من اللبنانيين، ورأوا في شخصه تهديدا لمشروعهم وضع اليد على لبنان واستعباد شعبه وهدر مقدراته وتغيير نظامه المبني على احترام الحريات الفردية والجماعية ضمن إطر ديموقراطية برلمانية حقيقية وفريدة في الشرق”.
اضاف: “الرئيس معوض قتل لأنه بات، في لحظة انتخابه، يجسد السبيل إلى إخراج لبنان من المحنة التي كان يتخبط فيها والعقل القادر على حماية ثقافة لبنان الدستورية والاقتصادية والاجتماعية والمجتمعية المميزة التي جعلت منه الوطن الرسالة بالمعنى الذي قصده البابا القديس يوحنا بولس الثاني”.
وتابع بولس: “مع مرور الزمن، نقدر حجم الخسارة التي حلت بنا وبلبنان بسبب اغتياله. وللأسف، اغتيال الرئيس معوض حال دون انتهاء زمن الميليشيات والوصايات وما زلنا ندور في الحلقة المفرغة ذاتها”.
بكل بساطة، أستشهد رينه معوّض لأنه أصرّ على احترام دستور الأمة اللبنانية وقوانينها وان يحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه.