وجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة من مكة المكرمة إلى المسلمين بخاصة واللبنانيين بعامة بحلول عيد الفطر السعيد الآتي نصها:” في نهايات شهر رمضان المبارك يستحق الأمر أن نصغي إلى نداءات القلب والعقل في نشر رسالة رمضان في فضائل الرحمة والتراحم، والعفو والتسامح، وأخلاق الإحسان والاعتدال.
لقد شهد الشهر المبارك أخلاق المسلمين من حيث الكرامة والود وتقديم الخير، وصنع المعروف. لقد التفت المسلمون بمؤسساتهم الخيرية فبادروا إلى الدعم والتأبيد والتضامن، وكثرت أعمال الخير الفردية، وإفطارات المساجد والمؤسسات والمنتديات، وسعوا إلى الاهتمام بالفقراء والمحتاجين والعجزة وكبار السنّ، والأيتام وأصحاب الاحتياجات الخاصة، فكان رمضان حقًا منارة يرفعها المسلم، أو يرتفع إليها.
لذا، فإننا نشيد بمظاهر التضامن هذه، والمبادرات الخيِّرة، وكذلك بالتضامن الوطنيّ بين المسلمين والمسيحيين أبناء الوطن الواحد ، ورعاية كلٍّ منهم مناسبة الآخر، في أبهى الصور للاحترام المتبادل”.
اضاف:”لقد كانت المناسبات المشتركة مفرحة وتستحق التنويه ليس أحلى من اللبنانيين عندما يعبرون عن مشاعرهم الحقيقية بدون مواربة أو تردد.
أيها المسلمون، أيها المواطنون،
إنّ أهمية رسالة شهر رمضان تكمن في صراحتها وصدقها، وتظهر في شموليتها. فالجانب الآخر أو الصفحة المقابلة من الرسالة، هو ذاك الوضع المأساويّ في قطاع غزة، حيث هلك ويهلك عشرات الآلاف بنيران العدو الصهيوني ، الذي يهدم العمران، ويدمر البنيان، ويهين الإنسانية والإنسان”.
تابع:”لقد امتدّ عدوان الكيان الصهيوني إلى جنوب وعمق لبنان، وما زال القتل يفتك بهذه النّخب الشابّة، واستولى التهجير على أهلينا، وتجددت مأساة لبنان التي تكررت مرات عدة، قتلًا وتهجيرا ومصادرة للأراضي والديار.
اللبنانيّون يعمّرون، والصهاينة يهدمون، حتى الصلاة في الأقصى وفي مسجد سيدنا إبراهيم بالخليل تقام الصلوات تحت رقابة بوليسية صهيونية مشددة ، والمستوطنون والمتشددون يقتحمون الأقصى ويعتدون على المصلين”.
واكد إنّ “العدوان الصهيوني المستمر على أرض فلسطين وجنوب لبنان وعمقه، هو الذي يحول دون إحلال السلام، ودون اطمئنان أهل الجنوب إلى سلامة عيشهم وحياتهم وممتلكاتهم، وزراعتهم وصناعتهم.
إنّ مصاب الفلسطينيين الجلل، ومصاب اللبنانيين كذلك، أظهره شهر رمضان جليًّا للعالم مع انطلاقة طوفان الأقصى، فأضحت قضية فلسطين قضية عالمية تؤرق ضمائر أحرار العالم ومؤسساته، إلى أن يكون هناك حلّ عادل ينجز الحقوق الوطنية لأهلنا في فلسطين ويضع نهاية للاحتلال الصهيوني الغاشم، ومذابحه التي لم يشهد التاريخ مثيلًا ببشاعتها ودمويتها.
نسأل الله سبحانه وتعالى الرحمة للشهداء الأبرار , والشفاء العاجل للجرحى والإنقاذ للجوعى والمعذبين والثكالى في غزة وسائر فلسطين”.
وقال:” إنها مأساة العصر وجريمته الكبرى التي تقطّع القلوب وتقطع الأنفاس.
إنّ ما يحدث في غزةً والجنوب اللبناني يثير مشاعر الغضب، ويبعث في النفوس نشوة الكرامة التي أثارها فينا أبطال غزة وفلسطين وجنوب لبنان”.
اضاف:”إنّ الأوضاع الصعبة التي يمر بها وطننا لبنان ليست بسبب حرب غزة فقط، بل هي تعود لسنوات خلت وسنوات. وكنا ننتظر من المسؤولين السياسيين ومن الاقتصاديين والقضاة والإداريين، كلّ في مجاله، أن يضع مسؤوليته نصب عينيه، كي لا يُعيَّر بالإهمال أًو الفساد، لكنّ الذي حدث من جانب هؤلاء جميعًا، وضع بلادنا على شفير الانهيار”.
واضاف:”الحكام هم المسؤولون أو ينبغي أن يكونوا مسؤولين عن ازدهار الوطن أو انكماشه او انهياره.
لبنان – كما يعلم الجميع – بحاجة إلى إصلاح متكامل في الحياة السياسية والوطنية والمؤسساتية في الأداء.
هناك فسحة أمل كبيرة في التوصل إلى حلول لأزماتنا، وفي مقدمتها أزمة انتخاب رئيس للجمهورية، فانتخاب الرئيس هو المدماك الأساس لوضع لبنان على الطريق المستقيم، و الإقلاع عن الاستفزاز والاستنزاف هو واجب الجميع، لتحقيق ما نصبو إليه من انتخاب رئيس جامع، يحترم الدستور ويطبقه باحترافية، وينفذ اتفاق الطائف، وينقذ لبنان واللبنانيين مما هم فيه من معاناة”.
واشار الى انّ “الظواهر الإيجابية من مبادرات ومشاورات وطروحات التي نلمسها من بعض القوى السياسية، يعطينا أملًا وتفاؤلًا بأنّ الفرصة متاحة أمام اللبنانيين لانتخاب رئيس. وهذا يتطلب مزيدًا من الجهد والمساعي الخيّرة. فالتعقّل ليس ضعفًا، ولا استسلامًا، بل هو حكمة ووعي لحفظ كيان البلد، ولا يعني هذا أننا راضون عن تأخير الانتخاب، فالتأخير. أصبح عبئًا على الوطن والمواطن”.
وختم:”وداعًا شهر رمضان يا شهر الخير والبركات، فإن رحلت فإنك لن تغيب، لأنّ رسالتك حاضرة فينا.
كل عام وانتم أيها المسلمون وأيها اللبنانيون بخير وأمن وأمان واستقرار في وطننا الحبيب لبنان”.
واعتذر المفتي دريان عن عدم تقبل التهاني بالعيد، وكلف أمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية الشيخ أمين الكردي بأداء صلاة وخطبتي عيد الفطر السعيد في جامع خاتم الأنبياء والمرسلين محمد الأمين صلى الله عليه وسلم في وسط بيروت عند الساعة السابعة صباح يوم العيد.