رئيس الجامعة: المركز منصّة للحوار البنّاء
وجسرٌ للتعاون الإقليمي والدولي
تأسيس “مركز فيليب سالم للدراسات السياسيّة” في جامعة القديس يوسف شكّل حدثًا أكاديميًا وسياسيًا ولبنانيًا هامًا. إذ هي المرة الأولى في جامعة عريقة يتمّ هذا التأسيس (16 تموز 2024) عبر احتفال جامعي مميّز حضره وزير الإعلام زياد مكاري والوزراء السابقون: الدكتور إيلي سالم، الدكتورة ماري كلود نجم، النائب مروان حماده، كما حضره ممثلُ قائد الجيش العميد الركن البحري مازن بصبوص، نقيب المحامين السابق سليم الأسطا، القاضية هيلانة إسكندر، محامون، سفراء حاليون وسابقون، وأساتذة جامعيون واعلاميون…
رئيس جامعة القديس يوسف
رئيس جامعة القديس يوسف في بيروت البروفسور سليم دكّاش اليسوعي، أكّد في كلمته أن “تأسيس مركز للدراسات السياسية اللبنانية في الجامعة لم يكن مجرد قرار عابر، بل استجابة لحاجة ملّحة وضرورة وطنية اتفق على ذلك قطبان متحركان: البروفسور فيليب سالم والجامعة اليسوعية، ورأى ان المركز يهدف إلى “لعب دور محوري في تعزيز الفهم العميق للواقع السياسي اللبناني المعقّد…”.
يضيف البروفسور دكّاش: “ان المركز يؤمن بأهمية الحوار البنّاء والتفاعل بين مختلف الأطراف السياسية والفكرية في لبنان. ينظّم المركز ندوات ومؤتمرات وورش عمل تجمع الأكاديميين والسياسيين والناشطين من مختلف الخلفيات، بهدف تعزيز التفاهم المتبادل، وخلق منصّة للحوار البنّاء… ويعمل المركز على تطوير مقترحات وحلول مبتكرة تستند إلى البحث العلمي والمعرفة المتخصصة، وعلى بناء جسور التعاون مع مراكز الأبحاث والجامعات والمؤسسات الدولية، بهدف تبادل الخبرات والمعرفة وتعزيز التفاهم المتبادل. يسعى المركز إلى أن يكون صوتًا للبنان في المحافل الدولية، وان يساهم في تعزيز صورته كدولة فاعلة ومنفتحة على العالم، وبناء جسور التعاون الإقليمي والدولي”.
والسؤال الأهم، يقول رئيس جامعة القديس يوسف، لماذا مركز دراسات سياسية لبنانية باسم البروفسور سالم؟ ويجيب: “باختصار الدكتور سالم هو صوت الأمل والتغيير في أزمة لبنان في خضمّ الأزمات المتلاحقة التي عصفت بلبنان، قد برز اسمه كصوت مُلهم للتغيير والأمل، داعيًا إلى الإصلاح ومحاربة الفساد وبناء مستقبل أفضل للبلاد. لم يتردد الدكتور سالم في تشخيص الأزمة اللبنانية بجرأة وصدق، محذرًا من تداعياتها الكارثية على جميع المستويات. أشار إلى الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، وسوء الإدارة الاقتصادية، وغياب المحاسبة… كما انتقد بشدة الطبقة السياسية الحاكمة، متّهمًا إياها بالفشل في إدارة شؤون البلاد… ولم يكتفِ بتشخيص الأزمة، بل دعا إلى إجراء إصلاحات جذرية في النظام السياسي والاقتصادي. طالب بمحاربة الفساد ومحاسبة المسؤولين عن الأزمة، وتشكيل حكومة كفاءات مستقلة تعمل على انقاذ البلاد وإعادة بناء اقتصادها المتداعي. كما دعا ويدعو إلى إصلاح قانون الانتخاب، لضمان تمثيل حقيقي للشعب اللبناني في البرلمان”.
في الختام، يقول البروفسور دكّاش، “ان فيليب سالم يمثّل نموذجًا للمواطن اللبناني الملتزم بقضايا وطنه وشعبه، وأنه بفضلِ فكره النيّر ومواقفه الشجاعة، أصبح مصدر إلهام للعديد من اللبنانيين الذين يتطلعون إلى مستقبل أفضل لبلدهم”.
عصام سليمان
رئيس المجلس الدستوري سابقًا الدكتور عصام سليمان تحدث عن فكر فيليب سالم السياسي والوطني، وقال: يسعدني أن أشارك في هذا الصرح الأكاديمي العريق، وهو منبر للفكر الحرّ، في احتفال اعلان مركز فيليب سالم للدراسات السياسية، لأتكلم عن فكره السياسي والوطني خاصة انه طبيب عالمي ومفكّر سياسي صاحب رؤية سياسية ثاقبة.
أضاف: هنا يُطرح سؤال عن الأسباب التي جعلت فيليب سالم عالمًا في الطب ورؤيويًا في السياسة. وقال: الجواب بسيط جدًا، يدركه من عرف فيليب سالم عن كثب. وهو يتلخص بنزعة فيليب سالم الإنسانية، الضاربة جذورها في تراب الوطن والمنطلقة منه إلى العالم الرحب، فأنسانيته نابعة من إيمان عميق بالله وبتعاليمه، ومن معارفه في عالم الطبّ. ووطنيته عشق للبنان، وعالميته قيم زرعت في نفسه ونمت وتغذّت من تجاربه.
وقال: ان المنهجية التي تحكم فكر فيليب سالم السياسي هي تمامًا المنهجية المعتمدة في العلوم، وقد تمرّس بها من خلال أبحاثه الطبية فهو يبحث عن الأسباب الظاهرة السياسية ويتدرج عبر منطق علمي سليم من المعطيات إلى النتائج ومن ثم إلى وصف العلاج، آخذًا بالاعتبار التعقيدات الناجمة عن كل ظاهرة سياسية عن التركيبة المجتمعية والإرث الذي تحمله.
ويرى الدكتور سليمان “أن لا إمكانية لقيام الدولة إن لم نتمّكن من العبور من أيديولوجية العيش المشترك إلى أيديولوجية المواطنة للحيلولة دون استخدام مصطلح العيش المشترك وسيلة لتحقيق المصالح الخاصة على حساب الصالح العام، وهو على حق في ما ذهب اليه، فالمواطنية هي الجامع المشترك بين اللبنانيين وهي الأساس لبناء دولة تعيد للبناني كرامته وللبنان اعتباره فتترسخ الوحدة الوطنية ويزداد لبنان مِنعةً””.
جوزيف أبو نهرا
يرى الدكتور جوزيف أبو نهرا (أستاذ في الجامعة اللبنانية) أنه بين فيليب سالم ولبنان قصّة حب طويلة تعود في الزمان إلى أيام الطفولة. يسكن قلبه حب وقلق دائم على لبنان: “لبنان هو هويتي وحبّي وعشقي. من دون لبنان ما عرفت نفسي، فهو يحدّد هويتي ويحدّد من أنا. ولذلك عندما أتكلّم في السياسة همّي هو لبنان، وخوفي على لبنان”. هاجسه ليس من نوع القلق الخاوي من الرجاء بل ذاك القلق الذي يسمّيه الفيلسوف كيركغايد “حارس النوعية”. فالوطن كالزرع لا ينمو ولا ينبت ما لم نتعهده بالعناية والحماية من الأخطار ومن عوادي الزمان. يقول سالم: أهمية لبنان ليست بوسع مساحته ولا بعدد سكانه بل بدوره الحضاري حيث تلتقي فيه الأديان وتتفاعل. يقوم بلبنان على ثلاث ركائز أساسية: الحرية وةالديموقراطية، والتعددية الحضارية. هي معنى لبنان وجوهره، إذا أصابها ارتجاج وسقوط إنهار لبنان الرسالة. يواجه لبنان اليوم تهديدًا لهويته السياسية والحضارية، فإن زال سيُسدل الستار على الحرية في الشرق كلّه.
يرى أبو نهرا أن طروحات سالم السياسية تتميّز بالعقلانية خارجًا عن النزعة الطائفية أو الغرائزية. فالدكتور سالم يحرص على هويته اللبنانية ويفاخر بها: “أنا قومي لبناني، أبي هو هذا اللبناني وأمي هي هذه الأرض. أهلي هم كل اللبنانيين. أحبّ أخوتي إلا أنني لا أحبّ أخي الذي لا يلتزم الولاء لأبي وأمي”.
ولا يرى سالم “تناقضًا بين هويته اللبنانية والقومية العربية. يجاهر بأن لبنان ليس فقط عربي الوجه بل عربي من رأسه إلى أمص قدميه. لكنه يرفض أن يذوب لبنان في العالم العربي ويزول. ولا يرضى بلبنان ذيلاً للعروبة بل يريده قائدًا لها. لا يريد عروبة تأخذ لبنان إلى الماضي بل يريد أن يأخذ لبنان العروبة إلى المستقبل”.
يستشهد الدكتور أبو نهرا بقول للدكتور سالم: “لا أشعر بأنني بكليتي إلاّ إذا كنتُ في لبنان. لبنان لا يحدّد فقط هويتي بل أيضًا حقيقتي وماهيتي”. يضيف: فيليب سالم، في الليالي الظلماء والأحلام المزعجة سمعناك تنادي من ديار الانتشار “لبنان لا تخف، نحن هنا”، فانتعشت فينا بوارق أمل بزوال الغيوم الملبّدة، وانبلاج فجر واعد تشرف معه على لبنان واللبنانيين شمس الحرية والكرامة. ونحن اليوم نردّ لك التحية، ونشدّ على يدك مقدرين وداعمين: “فيليب سالم لا تحف، نحن هنا”.
فيليب سالم
بدوره، أكد البروفسور فيليب سالم تقديره لتأسيس “مركز فيليب سالم للدراسات السياسية” في جامعة القديس يوسف ببيروت، وقال أن قيام هذا المركز الذي يهتم ويعتني بالدراسات السياسية وليس الطبية، لإيمانه الكبير بأن أهم قضية في لبنان اليوم، هي القضية السياسية بسبب الفشل السياسي الذي يعاني منه لبنان بشكل أساسي وبنيوي.
وأكد سالم بأن “لبنان باقٍ ولن يزول، ونحن كلبنانيين يجب أن نبقى واقفين كالأشجار الباسقةِ، وكشجرة الأرز الدهرية، واقفين في وجه الأعاصير، أقوياء برؤيتنا وقضيتنا ولبناننا. ولن ننحني أمام العواصف مهما قويت واشتدت. ولا خيار لنا إلاّ دعم لبنان والعمل على انهاضه من كبواته. لبنان مصاب بمرضٍ سياسي لا ينفعه إلاّ المزيد من الصمود… نبقى واقفين ولا ننحني أبدًا”.
ورأى سالم أن الجامعة في لبنان ما تزال تحمل معها أهم ركائز الحضارة والرقي. وبالرغم من كل الأزمات التي عصفت وتعصف بلبنان، ما زالت جامعاتنا تندرج مع أهم جامعات العالم وأكثرها قدرة على التأثير في الرأي العام السياسي والثقافي والشبابي والوطني. لذا علينا أن ندعم الجامعة في لبنان على كل الصعد وان نعمل على انهاضها من عثراتها وتشجيعها لتبقى عالمية وذات قدرٍ كبير من التأثير والفاعلية.
وأكد سالم أن الجامعة اليسوعية في بيروت تبقى من أهم وأبرز ركائز لبنان الثقافية والتعليمية والحضارية والسياسية. هي تعمل، خاصة، من أجل قيام جيلٍ ناهض وقادر وفاعل، رغم كل الظروف الصعبة والقاسية التي تمرّ فيها البلاد على أكثر من صعيد.
علينا أن لا نصاب بالإحباط، يؤكد فيليب سالم، ويرى بأن أكبر عدو للبنان ولجامعاته ولدوره الرؤيوي هو الإحباط. علينا أن نبقى إلى جانب الجامعة لأنها المنارة التي تضيء على قضايا الوطن من كل الجوانب والرؤى… الجامعة تبقى حاملةً بوصلة المعرفة والثقافة والوطنية. نحن، لهذا السبب، ولأسباب أخرى كثيرة، نبقى واقفين إلى جانب جامعاتنا ومعاهدنا، واقفين إلى جانب كل اللبنانيين، ليبقى لبنان ويستمر منارة لهذا الشرق المعذّب.
ثم انتقل الدكتور فيليب سالم والوزير السابق الدكتور إيلي سالم الى مكتبة الجامعة لتوقيع كتابيهما. ووقّع فيليب سالم كتابه الجديد (الموقف والرؤيا).