درب مار شربل.. درب يحمل في طيّاته عبق الأرض ووهج الإيمان

عمر صقر: الدرب خبرة روحية تعيد الإنسان إلى جذوره

ريمون الزند: المشروع ينعش الاقتصاد المحلي في البلدات والقرى

كتب سركيس كرم:  في قلب جبال لبنان ووديانه وطبيعته وسحره، يعود درب مار شربل ليشق مساره الأصلي ليكون في يومنا هذا أكثر استدامة ودلالة وسهولةً عما كان عليه من وعورة وصعوبة. وهذه الدرب ليست مجرد طريق، بل مسار ينبض بذاكرة الأرض، وعبق التراث، ووهج الإيمان.

“درب مار شربل” مشروع وطني وروحي ينهض به الكثيرون من المؤمنين بشفاعة مار شربل وبديمومة لبنان، كتفًا إلى كتف، متّحدين كعائلة واحدة لإحياء مسار يشكل علامة فارقة في تاريخ السياحة الروحية والثقافية في لبنان.

مستوحًى من حياة وإرث القديس شربل، قديس الطائفة المارونية وشفيع الموارنة المحبوب، “درب مار شربل” هو مسار حجّ وصلوات بطول 130 كيلومترًا، يتم إنشاؤه ليربط أكثر من 40 قرية، من قزحيا إلى بشري، بقاعكفرا، حدث الجبة، عنايا، وصولًا إلى حريصا، مرورًا بالمحطات الأهم في حياة القديس شربل.

يتطلب هذا الدرب جهدًا متواصلاً لإعادة تأهيله وفق أعلى المعايير البيئية والإنمائية. غير أن الجهد المبذول لا يُقاس بالأمتار، بل بالمعاني. فكل خطوة على هذا الدرب هي استعادة لجزء من الهوية اللبنانية، وصون لذاكرة جماعية تشكّلت بين الصخر والصلاة.

يُشكّل “درب مار شربل” أكثر من مجرّد مسار للحجاج والسياح؛ إنه اختبار حيّ للتكافل المجتمعي والشفافية في العمل، حيث تُنفّذ مراحل المشروع بدقة، وتُدار بوضوح ومسؤولية. ومع كل مرحلة تُستكمل، يزداد الدرب روعةً وبهاءً، فتتّحد مناظره الطبيعية الخلابة مع الأثر الروحي العميق، ليصبح المكان ملاذًا للروح، واستراحة للقلب والعقل.

وفي تموز 2025، من المنتظر أن يُفتتح القسم الشمالي من الدرب، ليكون محطة رئيسية في مسار يمتد عبر الزمن والجغرافيا. لحظة مرتقبة ليست فقط لعشّاق الطبيعة والمشي، بل لكل من يرى في هذا المشروع وعدًا بوطن متجذّر في تاريخه، مثمر في حاضره، منفتح على مستقبله.

إن المساهمة في إنجاز “درب مار شربل” هي أكثر من دعم لوجستي أو مادي، إنها مشاركة فعلية في بناء إرث سيحتضن أجيالًا من الزوّار والحجّاج، ويمنحهم فرصة لعيش تجربة فريدة بين أحضان الطبيعة والإيمان.

فلندعم جميعنا من أستراليا المشروع القيم ولنكن معًا جزءًا من هذه المسيرة – الخبرة التي لن تُنتسى.

*****

زار مكاتب جريدة “النهار” في سيدني الأستاذ ريمون الزند، والبروفسور عمر جان صقر، القادمان من لبنان، ترافقهما السيدة دينيز وهبة، لعرض تفاصيل مشروع “درب مار شربل” والترويج له بين الجالية اللبنانية في أستراليا.

وقد كان في استقبالهم ناشر “النهار” ورئيس تحريرها، الزميل أنور حرب، إلى جانب الكاتب الزميل سركيس كرم. وقد دار الحوار التالي:

قال الأستاذ ريمون الزند إن المسيرة “ليست مجرد رحلة مشي، بل تجربة فريدة تجمع بين سحر الطبيعة ودفء اللقاء مع الناس في القرى والبلدات التي تقع على مسار الدرب”. وأوضح أن المشاركين يسيرون في أحضان الطبيعة اللبنانية الخلابة، حيث يلتقون بالأهالي، ويتفاعلون مع القيم والتقاليد التي توارثها اللبنانيون عبر الأجيال.

وأضاف أن هذه المسيرات تدعم الاقتصاد المحلي من خلال بيوت الضيافة والأسواق والمحلات الريفية، ما يعزّز صمود المجتمعات الجبلية واستمرارية نمط الحياة الأصيل.

وتحدّث البروفسور عمر جان صقر عن انطلاق المشروع،  قائلاً: “أنّ الحلم بدأ عام 2018، قبل أن تتحوّل الفكرة إلى واقع ملموس في تشرين الثاني 2023، مع انطلاق المسار من مرجعيون إلى عندقت، تزامنًا مع عيد جميع القديسين.
وأضاف: “باشرنا العمل الميداني في حزيران بميزانية أولية بلغت 150 ألف دولار، في إطار مشروع تُقدّر كلفته الإجمالية بثلاثة ملايين دولار. وقد شكّلت حملة التبرعات عبر شاشة MTV نقطة تحوّل أساسية، إذ وفّرت لنا دعمًا بقيمة مليون دولار. ونتطلع اليوم إلى استكمال المسار من قزحيا شمالًا، وصولًا إلى كسروان وبكركي.”

وأكد صقر أن “درب مار شربل” ليس مجرد مسار جغرافي، بل درب حجّ روحي يلامس فيه المشاركون تجربة القديس شربل في التأمّل والتجرّد.

وأوضح أن المسيرة تتضمن محطات في الأديرة والقرى، حيث يشارك الزائرون في أنشطة يومية تشمل الزراعة والأعمال الحرفية مثل صناعة منتوجات بلدية ويساعدون في قطف الفواكه وتشحيل الأشجار، ما يسمح لهم باختبار نمط الحياة البسيطة والانخراط في التراث والتقاليد.

وشدد على أن “المشي على الدرب يرسّخ الانتماء، ويقرّب الجيل الجديد، خاصة أولئك المولودين في أستراليا، من جذورهم وهويتهم وعادات أهل وطنهم الأم”.

بدورها، أعربت السيدة دينيز وهبة عن سعادتها بالحماس الكبير الذي أبداه الشباب في أستراليا تجاه المشروع، وقالت: “كل من شرحنا لهم المشروع، أبدوا حماسة واندفاع لدعمه خاصة وانه يحمل اسم مار شربل. وسوف نزور العديد من المدارس ونتحدث إلى الطلاب والأهل. أنا مقتنعة تمامًا بأن “درب مار شربل” سيعزز ارتباط الشبيبة بلبنان، وطنهم الأم.”

كما أشار الوفد الى أن المشروع يمول عبر مساهمات فردية، حيث تبلغ قيمة المساهمة 30  دولارًا أستراليًا للمتر الواحد. وبهذا الصدد، أوضح الأستاذ ريمون الزند: “لم نسعَ إلى أن يأتي تمويل المشروع من جهة واحدة، بل أردناه مشروعًا يشارك فيه كل الناس، ولو عبر متر واحد فقط.”

ويشرح الأستاذ الزند “إن المشروع يعيد الحياة الاقتصادية للقرى عبر الزوار الذين يسيرون درب مار شربل ويقيمون في بيوت الضيافة ويشترون ما يحتاجونه من المحلات المملوكة من عائلات محلية، مؤكدًا: “هذا النشاط يجعل الأهالي يشعرون بأن مورد رزقهم بات مصدر دخل حقيقي، ويمنحهم شعورًا بأن محلاتهم ومصالحهم تضح بالحياة وتمنحهم الدخل الذي يريدونه عبر تعبهم وعملهم.  هذا بالإضافة الى شعورهم بتقدير زيارة ودعم أبناء الوطن لا سيما الذين يأتون من الخارج.”

وعن حملة التبرعات، أشار البروفسور صقر الى انه “وجدنا كل الظروف مؤاتية للانطلاق في الحملة، وسط ترحيب كبير واهتمام بالغ. ولقد تم انشاء فريق لمساعدتنا وكنا ما زلنا في لبنان. السيدة دينيز وهبة هي ممن يرافقوننا ويعدون لنا اللقاءات، وهي تقدّم لنا كل الدعم، إلى جانب نخبة من المتطوعين المتحمسين للمشروع. والشعور الغامر بأننا ما زلنا على أرض الوطن، لم يفارقنا لبنان لحظة، بفضل رحابة ورعاية سيادة المطران أنطوان شربل طربيه، واحتضان دير مار شربل والرهبنة المارونية اللبنانية لنا بكل محبة في سيدني.”

ويختم الأستاذ الزند بالتأكيد على أن المشروع “يجسّد خبرة روحية ترفع من الإحساس الإيماني والوطني لدى كل مشارك”. فيما دعت دينيز وهبة الجميع، أفرادًا ومؤسسات، إلى دعم هذا المسار، مشددة: “هو مشروع لا يربطنا فقط بالأرض، بل يعيد إحياء علاقة الإنسان بتراثه، بإيمانه، وبمحيطه الطبيعي والاجتماعي.”

كيفية التبرع

يمكن للراغبين بالتبرع الاطلاع على مزيد من التفاصيل والمساهمة مباشرة عبر زيارة موقع:

www.gofundme.com

كل متر يكلف 30 دولارًا استرالياً لإنشائه، الترويج له، وصيانته. يشمل ذلك:

  • شق الطريق وتركيب اللافتات (وفقًا للمعايير العالمية للمسارات)
  • تدريب الأدلاء المحليين
  • إنشاء بيوت ضيافة
  • إشراك وتوعية المجتمع المحلي
  • الصيانة المستمرة والرعاية

كل دولار يُتبرع به سيُستثمر مباشرة في المجتمعات المحلية  لخلق فرص عمل وسياحة مستدامة في أكثر من 40 قرية على امتداد المسار.

سيرحب “درب مار شربل” بالناس من جميع الأديان والخلفيات ليسيروا على خطى القديس شربل، ويختبروا نفس الروابط الروحية التي عاشها.

من مسقط رأس القديس شربل في جبال لبنان إلى قلوب اللبنانيين حول العالم، بما فيهم هنا في سيدني،  لنشيد هذا الدرب المقدّس معًا.

فلنمشِ هذه الرحلة  من أجل القديس شربل، من أجل لبنان، ومن أجل الأجيال القادمة.

مترًا بمتر، كل دولار يُحدث فرقًا.

للمزيد من المعلومات، يرجى زيارة  www.darbmarcharbel.org