قال البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في عظة قداس الأحد في الديمان تحت عنوان: “ومن هو قريبي” (لو10: 29): “المحبّة والرحمة هما ثقافتنا المسيحيّة التي علينا أن نعامل بها كلّ إنسان، دونما اعتبار لدينه أو ملّته أو انتمائه. يكفي أن يكون ذا حاجة. والحاجة لا دين لها ولا انتماء. فالينبوع لا يسأل العطشان عن دينه، وانتمائه. هذه بطولة الحياة في تعليم الربّ يسوع”.
وأضاف البطريرك الراعي: تحتفل الكنيسة اليوم 8 أيلول بعيد مولد سيّدتنا مريم العذراء. يرقى هذا العيد إلى القرن السادس في الشرق. أرادت الكنيسة أن تكرّم، في هذا العيد، ميلاد مريم لأنّها تجعل منه بداءًا لخلاص البشريّة بالمسيح الذي سيولد فيها. وُلدت مريم، ككلّ إنسان، من والدَين هما يواكيم وحنّة. ولكن بتدخّل إلهيّ عصمها الله من الخطيئة الأصليّة، الموروثة من أبوَينا الأوّلين آدم وحوّاء، حسب كتب الوحي الإلهيّ. عصمها الله لأنّه أعدّها لتكون أمّ إبنه، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس، الذي ستحبل به، بقوّة الروح القدس، وهي عذراء مخطوبة ليوسف. وسيأخذ في التاريخ اسم “يسوع المسيح”. فاستباقًا لعمل الفداء والخلاص، المدعوة لتشارك فيه، ولاستحقاقات ابن الله المتجسّد منها، عصمها الله من الخطيئة الأصليّة، فكانت عقيدة الحبل بلادنس، التي أعلنها الطوباويّ البابا بيوس التاسع في 8 كانون الأوّل 1854، والتي أكّدتها مريم العذراء، بعد أربع سنوات، في إحدى ظهوراتها للقدّيسة برناديت في لورد سنة 1858، عندما سألتها عن إسمها، فأجابت: “أنا الحبل بلا دنس”.
وتابع: بالمحبّة والرحمة تتوقّف الحرب على غزّة وفي جنوب لبنان. استمرار الحرب ضعف وخسارة للجميع: خسارة أرواح الله وحده هو سيّد حياتها وموتها، خسارة استقرار المواطنين الآمنين بتهجيرهم، هدم البيوت وحرق الأرض والممتلكات وجنى الأعمار من دون سبب سوى الهدم. لو يفكّر ضميريًّا أمراء الحروب في كلّ هذه النتائج، لتوقّفوا عن فعلهم هذا الذي هو علامة ضعفهم لا بطولتهم. ولو يفكّرون بالأموال الطائلة التي ينفقونها في الحرب وفي التسلّح، ويحرمون شعوبهم منها، وبأيّ سلطان يفعلون هذا ولأي أهداف، لأدركوا شرّ الحرب، وذهبوا إلى التفاوض السلميّ.
وأضاف: بثقافة المحبّة والرحمة، تعيش مكونّات الدول وحدتها الداخليّة، على تنوّع ثقافاتها وأديانها. لا يكفي أن نعلن رغبتنا بالشراكة الوطنيّة من دون إرادة الفعل، وتغيير السلوك، ونزع الولاءات الخارجيّة، والإتفاق على “المختلف”. دولة لبنان الكبير تتألّف من جماعات كانت تتفاعل قبل إمارة جبل لبنان وأثناءها وبعدها. تاريخنا الجماعيّ السياسيّ أخبار وتقاتل واجتياح وسيطرة، خلافَ تاريخنا الخاص المقتصِر بإبداعاته على النخب والأفراد. ورُغم ذلك، غامرنا وأسّسنا دولة لبنان الكبير خلاصة مكوّنات الشرق لتكون مقبولة في محيطها العربيّ، فإذا بالمحيط يقبلها، ومكوّنات لبنانيّة ترفضها. مشروعنا هو التعايش السلميّ والحضاريّ بين المسيحيّة والإسلام ومع محيطنا الطبيعيّ. نحن آمنّا بالإنتماء العربيّ، وأطلقنا الفكرة العربيّة لتحرّر شعوب المنطقة من “التتريك”، لا اللبنانيّين من “اللبننة”.
وقال البطريرك الراعي: إنّ اللبنانيين يعانون اليوم من ثقل التربية والتعليم والصحة والإستشفاء والغذاء والمعيشة وفرص العمل وسواها وهي من صميم مسؤولية الدولة الملتزمة برعاية أبنائها. لكنّها معدومة طالما أنّ الدولة بلا رأس وفاقدة الجانب الأعلى من ميثاقيتها، الذي يستمر فارغًا منذ ما يقارب السنتين. إن هذا الفراغ الذي يبدو متعمّدًا يترك تداعيات سلبية كبيرة على المستوى الوطني أولها عدم انتظام المؤسسات، وتفكك الإدارة واستباحة القوانين والأعراف وصولًا إلى استهداف مواقع ومراكز مسيحية وبخاصة مارونية في الدولة تمهيدًا الى قضمها، ما بات يهدد صيغة المشاركة والمناصفة في الحكم والادارة.
الكل بانتظار المبادرات الخارجية، المشكورة، التي لا يجوز أن تختزل إرادة اللبنانيين عبر ممثليهم في مجلس النواب. فمن المؤسف والمعيب ان يبقى انتخاب الرئيس أسير رهانات على الخارج، او على استحقاقات أو تطورات خارجية وهمية. وأن تبقى كتل نيابية اسيرة رهاناتها الضيقة الخاطئة. إن التحرك الداخلي المطلوب هو ضرورة لنجاح المساعي الخارجية، وأبرزها مساعي اللجنة الخماسية، التي استأنفت تحركها المتعلق بالاستحقاق الرئاسي هذا الاسبوع، والذي نأمل له النجاح بتجاوب المجلس النيابي الذي يبقى المسؤول الاول والاخير عن اتمام هذا الاستحقاق ووضع حدّ للحالة السياسية غير السليمة وغير المألوفة والشاذة في لبنان.