في ذكرى مرور شهر على اندلاع الحرب الكارثية والدموية على غزة، ما هي التداعيات الخطرة على الإقتصاد اللبناني، على نحو مباشر وغير مباشر؟
لقد حذّرنا ونتخوّف من توسيع بقعة الحرب في المنطقة، وجرّ لبنان إلى أرض المعركة، لكن حتى لو بقيت المعارك على حدودنا فقط، وتتابعت الحرب الباردة في حياتنا اليومية، فسيكون لها تأثير مباشر، على حياتنا اليومية، وعلى كل القطاعات الاقتصادية، والاجتماعية، والانتاجية، والمالية والنقدية.
علماً أنّ القطاع الأكثر تأثُّراً حتى اليوم بالأحداث الراهنة، والذي يدفع الثمن الأكبر هو القطاع السياحي، والذي شهد نمواً لافتاً في العام 2023، حيث زار لبنان أكثر من 4 ملايين سائح، فيما عادت الإستثمارات تنمو في هذا القطاع. وفجأة كالعادة وبسحر ساحر، رجعنا أشواطاً إلى الوراء، وتبخّرت أحلامنا، ودُمّرت أهدافنا.
إذاً، يشهد لبنان تراجعاً كبيراً في الحركة السياحية، فجُمّدت كل الإستثمارات في هذا القطاع، وأُلغيت الحجوزات، والمؤتمرات والمناسبات، والتي كان مخطّطاً لها مسبقاً. نذكّر بأنّ الأشهر الثلاثة الأخيرة من السنة، تشكّل الحجم الأكبر من الناتج المحلي السنوي، وكنا نتمنى متابعة موسم الصيف إلى موسم أعياد نهاية السنة، لكن في ليلة مظلمة، جُمّدت كل توقعاتنا. فلا شك في أنّ موسم نهاية السنة طُعن، وسيشهد القطاع خسائر فادحة.
على صعيد القطاع الصناعي، فقد تجمّدت هنا أيضاً كل الإستثمارات، خوفاً من عدم إمكان إستيراد المواد الأولية، وتصدير البضائع. وقد شهد هذا القطاع أيضاً إرتفاعاً باهظاً في كل تكاليف التصنيع والإنتاج، جرّاء إرتفاع أقساط التأمين، لأكثر من 10 أضعاف، من جهة، وأيضاً زيادة أسعار المواد الأولية من جهة أخرى. أما إذا ازدادت أسعار النفط والغاز ومشتقاته، فستكون ضربة قاضية للقطاع.
في الشهر الجاري، لقد تتابعت الصناعات من طلبات ما قبل اندلاع الحرب، وسيتمّ تسليمها في القريب العاجل. أما اليوم فقد أُلغيت أكثرية الطلبات الكبيرة، خوفاً من عدم استطاعة تصدير البضائع إلى الخارج، أو حتى تصنيعها جرّاء مخاطر الحرب الراهنة.
أما في القطاع العقاري والإعماري، فقد ازداد وارتفع جمود هذا القطاع الذي يشغل أكثر من 12 قطاعاً آخر، إذ من جهة، كان الشلل سائداً، جرّاء شلل كل الدوائر العقارية، وكل المعاملات الراهنة. لكن اليوم، ومن جهة أخرى، فقد توقفت كل عمليات الشراء والبيع، خوفاً من توسع الحرب في المنطقة وخصوصاً في لبنان.
في القطاع التجاري، يختلف الوضع، إذ بعض التجار يُخزّنون المواد خوفاً من إنقطاعها أو تحسباً لارتفاع الأسعار. فهنا تُخزّن «ستوكات» جديدة، وتنمو أشغال المهرّبين، لتخزين البضائع، آملين في بناء سوق سوداء وموازية جديدة.
أما على الصعيد المالي والنقدي، فبعد 4 سنوات، نلاحظ أن لا نيّة لإعادة هيكلة هذا القطاع، وإعادة إحيائه للمطالب الإقتصادية، في ظل هذه الحرب الباردة، إذ دُفنت في الدهاليز كل مشاريع إعادة تنظيم هذا القطاع، وانتست الودائع والخسائر، وعدنا أشواطاً إلى الوراء.
أما القطاع الزراعي، فنجد أنّ الأراضي المنتجة، تقع في أماكن خطرة، ومرتبطة أيضاً بأشباح الحرب الحالية. فتباطؤ التصدير والإستيراد وتكاليف الإنتاج، وتراجع الطلب، يطعن أيضاً بهذا القطاع المنتج.
في المحصّلة، من الواضح أنّه تراجعت وجُمّدت كل القطاعات الإنتاجية، وسنشعر أكثر يوماً بعد يوم، بتداعيات هذه الحرب الكارثية. وقد كنا نتوقع ونأمل في نمو 2% في العام 2023، لكن الآن دُمّرت كل آمالنا، وتراجعنا أشواطاً إلى الوراء. إنّ إقتصاد الحرب، سيزيد التضخُّم الذي يمكن أن يصبح مفرطاً (Hyperinflation)، فتزيد كلفة العيش، كما كلفة الإنتاج والتصدير في الوقت عينه. إنّ إقتصاد الحرب، سيُنمّي الركود الإقتصادي والإنكماش، وتراجع الإستثمارات. وهذا يعني أننا متّجهون نحو ما يُسمّى بالـ Stagflation (الركود التضخُّمي)، والذي سيكون كارثياً للبنان وإقتصاده وشعبه. فالتداعيات بعد شهر من اندلاع هذه الحرب، مخيفة، لكن إذا إستمرت وطالت فستكون النتائج وخيمة.