إختتم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي زيارته الى صور في دار الفتوى، حيث كان في استقباله مفتي صور ومنطقتها الشيخ مدرار حبال وعدد من القيادات الروحية والاهلية.
ورحب المفتي حبال بالبطريرك الراعي والحضور، مقدرا “هذه الزيارة التي من شأنها رفع المعنويات التضامنية مع لبنان ومع اهلنا في غزة والكشف الدائم عن جرائم العدو الإسرائيلي الذي يقتل الطفولة ويقتل الشعب الفلسطيني ويدمر دون شفقة متجاوزا كل القوانين الدولية”.
ثم القى البطريرك الراعي كلمة قال فيها: “نحن أتينا باسم مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك للاعلان عن تضامننا وايماننا بهذا الوطن لكي نصمد امام ما يحصل من حرب مدمرة، ونحن نريد ان نوصل رسالة الايمان بهذا الوطن”.
اضاف: “ان الوحدة مع التنوع الموجودة قوة، ولبنان لا يزال في هذا الشرق بلد الحرية والتواصل، وعلى اهل الجنوب عدم الخوف. نحن معكم رغم المصيبة التي تعيشونها ونتحدى كل الظلم من اجل لبنان. ان التضامن روحي ومعنوي، وان المشكلة السياسية اللبنانية نتجت عنها ازمات ورغم كل شيء نريد ان نصلي سويا من اجل لبنان، هو الله الذي يتدخل لصالح المسكونة. ان الكلمة الاخيرة للخير وليس للشر ونشكر جميع ممثلي الطوائف الذين استقبلونا، ليس الا من اجل العاطفة والمحبة والصمود، ويبقى الجنوب سياج الوطن. ونتقدم من عوائل الشهداء بالتعازي القلبية”.
سيدة البحار: الراعي كان قد استهل زيارته الجنوبية في كنيسة سيدة البحار المارونية في صور بصلاة في الكنيسة. ثم انتقل الى صالونها فاستقبله عدد من الفاعليات.
وتحدث المطران جورج عبدالله مرحباً بالبطريرك الراعي وبجميع الحضور متوجها الى البطريرك بالقول: “أنتم الذي يأتي إلينا في هذه الظروف الصعبة، حيث وفي كل يوم نبصر اهتمامكم بكل لبنان، ولكن اليوم تأتون الينا للتضامن الخاص معنا من أجل التعايش والتعاون ومن أجل تحقيق الشراكة بين أبناء الوطن، وأن مدينة صور تواقة من أجل العمل بهذه الرسالة الانسانية وهي النموذج لذلك في لبنان”.
وأضاف: “إنكم تقفون، بملء كيانكم الشخصي وفي قلوبكم أروع المحبة، وقفة تضامن، يتجدد الاطمئنان في قلوبنا مع كل هذه الفاعليات. إن هذا الحضور التضامني الرعوي لا يسعنا إلا نعبر معه عن الشكر والتقدير. فهو يختزن كل الحب والتقدير وصون النفوس وتوطيد كل معالم العيش والاخوة والمحبة التي بشر بها الصالحون”.
ثم تحدث البطريرك الراعي فدعا الى “العمل على السلام واعطاء الشعوب المقهورة حقوقها”، وقال: “هذه الزيارة التضامنية في ظل الظروف الصعبة هي واجب انساني امام هول ما يحصل وهي من اجل السلام. وان اجمل عطية اعطاها الرب للانسان هي السلام، وبخاصة ان هذه المنطقة تدفع اثمان حرب لا يوجد فيه اي شعور انساني والتي تدمر وتقتل الاطفال والنساء والشيوخ، ولا نقدر الا ان نأتي الى صور لنقول لكل اهلنا في الجنوب اننا الى جانبكم ومعكم ونتوجه بالتحية لجميع الحضور”.
أضاف: “نحن حرصاء على ان نأتي لنحافظ على وحدتنا بتنوعها، وان هذه الحرب مدمرة ليس فقط في غزة بل هي حرب خارجة عن كل الحضارة والقوانين الانسانية، وقد اتينا لنعلن السلام. وبدون سلام لا يوجد حياة، وكل انسان له دور ولا نرضى ان يشوه دور الانسان. نريد ان نقف في وجه الحقد والكراهية والبغض ونحن اخوة، وهذه هي الثقافة اللبنانية الحقيقة وهذه هي الثقافة الروحية الكنسية الحقيقية”.
وتابع: “كل البلدات تعيش اليوم تبعات الحرب على غزة، و قد اضطر اهالي البلدات الجنوبية الى ترك منازلهم، ونوجه التحية لكل البلدات والاهالي الذين هم اخوتنا واهلنا وندعو لحماية الوطن والاهتمام . وعلينا ان نعمل من اجل القضية الفلسطينية التي عمرها ٧٥ سنة، ونعلن اننا بثقافتنا الروحية واللبنانية لا نرضى ان تشطب هذه القضية بلحظة سريعة بل نسعى للسلام الدائم”.
وختم الراعي قائلا: “هنا، من صور نوجه التحية لاهالي غزة، وان حل الدولتين هو المطلوب وهو الذي يحقق السلام وسنعمل على ان نكون صانعي السلام”.
كنيسة مار توما: المحطة الثانية للزيارة التضامنية للبطريرك الراعي الى صور كانت في كنيسة مار توما للروم الملكيين الكاثوليك، حيث دخلها والوفد المرافق وسائر الحضور الرسمي على وقع اصوات الاجراس والترانيم الكنسية، ثم اقيمت الصلاة والسلام للشهداء .
بداية، تحدث القيم على الكنسية الاب بشارة كتورة مرحبا بالبطريرك الراعي والحضور الرسمي والشعبي، وقال: “اننا نثمن هذه الزيارة التضامنية معنا في هذه الظروف الصعبة”.
كما القى المطران جورج اسكندر كلمة رحب فيها بالراعي والحضور، وقال: “ان صور اعتادت على العيش في الظروف الصعبة والتعديات الاسرائلية ،حيث كانت مواقف المطران جورج حداد والامام السيد موسى الصدر من اجل السلام العادل، وما نحن الا تواصل لاولئك الكبار. وانتم اتيتم للتضامن الكبير مع اهل الجنوب وكل لبنان لان معاناة النازحين كبيرة والاعتداءات الإسرائيلية والقتل والتدمير مستمر”.
ودعا الى “إعادة بناء الدولة من اجل الاستقرار والوحدة وانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية “، مؤكدا “ان هذا الموقف الوطني هو عمل مميز من اجل احلال السلام والاستقرار وان وتحقيق حل الدولتين هو من اجل السلام ومن اجل كل لبنان”. مرحبا بالبطريرك الراعي باسم اللقاء الروحي في صور.
ثم القى البطريرك الراعي كلمة قال فيها: “في ظل الظروف الصعبة نحمل معكم صليب لبنان من اجل التضامن مع كل لبنان وبخاصة مع اللقاء الروحي في صور وسائر الفعاليات”.
اضاف: “في هذه المحطة الثانية في الجنوب وباسم مجلس الاساقفة والبطاركة نؤكد اننا معكم صامدون . نحن معكم في حاجاتكم ومعكم من اجل الصمود، رغم كل شيء نصمد بوحدتنا ونعرف ان عدونا يطمح دائما لقضم اراض من لبنان وهذا طموحه منذ زمن. نحن معكم صامدون ومتضامنون ونحمل معكم القضية الفلسطينية، ولكن نشهد حرب ابادة ، ليس فيها رحمة ، هي حرب تدميرية مبرمجة . توجد اصوات في العالم ولكن لا ينتج عنها مواقف تخفف عن الشعب”.
واكد “حق الشعب الفلسطيني في ان يقرر مصيره”، وقال: “لا نستطيع ان نتفرج على ابادة شعب، واتينا للتكاتف ومن اجل الصمود”.
وهنأ البطريرك الراعي المطران جورج عبدالله على صموده وتعبده، وحيا جميع مطارنة صور ورؤساء الطوائف على الصمود، وقال: “اننا في الجنوب الغالي لا نفرط بها وسنصمد معكم ، ودائما ندفع ثمن ارضنا وهذا تاريخنا. الوطن يجب ان نحفظه. محبتنا للجميع ويدنا معكم. ان الدول لا تبنى بالظلم بل تبنى بالسلام”.
دار الافتاء: المحطة الثالثة للبطريرك الراعي والوفد المرافق كانت في دار الافتاء الجعفري، حيث كان في استقباله مفتي صور وجبل عامل العلامة الشيخ حسن عبدالله وعدد من الفاعليات والشخصيات الرسمية والروحية.
وقال عبدالله: “هذا اللقاء يعكس نهج لبنان الذي يجتمع في الملمات والصعوبات. يطل غبطة البطريرك الراعي والوفد الروحي في هذه الزيارة للتأكيد ان الجنوب ليس وحده وهو جزء من لبنان، ولن نقبل ان يبتسم لبنان ويبقى جنوبه متألما. ان حضوركم هو من اجل رفع الالم”.
أضاف: “ما يزيد من قلق اللبنانيين هو عدم انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية. أن أهل “العقد والربط” مدعوون لتحقيق هذا الامر”.
واشار عبدالله الى “ان النزوح يشكل قلقا للوطن ومأساة للنازح ، ولكن النفوس المؤمنة تعمل على المساعدة في تجاوز المرحلة. هذه الارض لنا، نعيش معا ونفرح معا ونصمد معا من اجل مواجهة التحديات. ونتمنى ان يفرج الله عنا وعن اهالي غزة، تلك المنطقة التي تتعرض لحرب ابادة حقيقية”.
وقال البطريرك الراعي: “نجدد باسم مجلس البطاركة والاساقفة ، اننا نأتي لكي نعلن التضامن مع السياج الذي يسمونه الاطراف، هذا السياج هو الذي يحمي الوطن ويدافع عنه من كل المخاطر”.
وردا على ما ذكره احد قادة اسرائيل بأن لبنان “كذبة”، اعتبر الراعي “انه قال ذلك حتى يلغي ما يمتاز به لبنان، ارض التلاقي والحوار والقداسة والتعايش، رغم التنوع الانساني والثقافي. ان المؤامرة الاقتصادية المصطنعة وتفتيت الدولة كلها تخدم مشروعهم. واننا قررنا في مجلس الاساقفة والبطاركة ان نصمد ونتشبث بوحدتنا رغم تنوعنا ، وان اي سلطة تناقض العيش المشترك فاقدة الشرعية وسنحافظ على الوطن ولن ننزلق الى الفتن والمكائد”.
وتابع: “نذكر دائما الامام موسى الصدر الذي رسم فلسفة لبنان وخلاص لبنان. ان المطارنة الذين كانوا مع الإمام الصدر قد رسموا مستقبل لبنان ليربح الجميع . مشروع لبنان يبنى كل يوم ، وهو مثل بناء الاسرة التي تبنى كل يوم، وخلاص لبنان يكون بالصمود والبقاء مهما قتلوا ودمروا . وليس لنا خلاص الا بقوتنا وعيشنا المشترك”.
ثم استضاف العلامة عبدالله الراعي والوفد المرافق في صالون الدار.
الاب ندره: وتعليقاً على الزيارة، أشار الأمين العام لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك الأب كلود ندره إلى أن زيارة البطريرك الراعي للجنوب كانت مقررة مسبقاً لكنها تأجلت بسبب تواجده في روما، مؤكدا في حديثٍ عبر صوت لبنان إلى ان “زيارة البطريرك تهدف أولاً الى الإعراب عن حضور الكنيسة الى جانب أبنائها وثانياً للتأكيد أنّ لبنان لا يجب أن يتحمل وحده نتائج الحرب الدائرة في غزّة”.
نداء من قرى جنوبية: من جهة أخرى، قال رؤساء بلديات وفاعليات بلدات رميش وعين إبل ودبل: “نبدي سرورنا واعتزازنا بهذه الزيارة التي نرجوها مباركة ومثمرة، لاسيما وأن غبطته أطلق سلسلة مواقف مهمة ومعبّرة حيال ما يتعرّض له الجنوب ومن ضمنه بلداتنا وقرانا من اعتداءات إسرائيلية ومن انتهاكات تترافق مع نزوح يقارب أحياناً التهجير”.
وأضافوا: “نتمنى من صميم قلوبنا لو أن زيارة صاحب الغبطة مع صحبه الكرام، تشمل البلدات نفسها التي تضم الرعايا التابعة للكنيسة المارونية والكنائس الشقيقة، كي يشعر الأهالي ومن بقي منهم بالعناية الروحية والمعنوية المرجوة. إن زيارة صاحب الغبطة لتفقّد الرعايا ميدانياً متاحة أمامه، لاسيما، وأن قسماً من الأهالي ما زال فيها إلى جانب الكهنة، والقسم الآخر يتوافد إليها بشكل دائم لتفقّد الأهل والبيوت والأملاك”.
وتابع البيان: “نقدّر المحاذير الأمنية المفترضة، لكن الأكيد أن البلدات بحد ذاتها لم تتعرض للقصف والرمايات، التي تستهدف أحياناً محيطها ومشاعاتها في إطار تبادل النيران والاعتداءات الإسرائيلية بحجّة الردّ على الرمايات التي تنطلق من محيط بلداتنا”.
وختم: “بإسم الأهالي نتمنى على صاحب الغبطة أن يشرّف بلداتنا بزيارة تحلّ معها بركته الأبوية، لأن ذلك يشكل مدعاة ارتياح عميق وتشجيعاً استثنائياً على الصمود في أرضنا، لنبقى دائماً خلف راعينا وسائر الرعاة الأفاضل، علامة لحضورنا في الأرض التي وطئها السيد المسيح”.