العميد فايز كرم يوجّه نداء موجعا الى الرئيس ميشال عون

“من فمك تديننا، تتوعّدنا، تُسكتنا، تُساوم على حقوقنا، وتُسقط شعاراتنا”

وجّه العميد فايز كرم نداء قوياً وموجعاً الى الرئيس ميشال عون هذا نصها: “أتطلّع اليوم إلى تلك الحالة الوطنية والتي أسميناها في حينه الحالة العونيّة وقد تحوّلت فيما بعد إلى تيار سياسي فاعل، عابر للمناطق والطوائف والمذاهب، أتطلع إليها رافضاً الخيبة، رافضاً التشرذم، رافضاً السقوط في دهاليز السياسة والحسابات الضيّقة، رافضاً ضياع الحلم.

أتطلع إلى حالة شاركنا كلنا، ‏ نحن اللبنانيون، في إطلاقها بأصعب الظروف، واجهنا خطر الموت والتوقيف والتعذيب والقهر ومحاولات الترويض والإخضاع، وواجهنا التخوين ولم نستكن، لم نهاب سلطة متواطئة ومتعاملة، لم ننكسر، دفعنا أغلى الأثمان، توقيف، سجن، نفي، إبعاد، وشهداء كثر سقطوا من أجل لبنان.

يومها كان للشعار معنى، “سيادة، حرية، استقلال”، لم تعد تلك كلمات نردِّدها بل حوافز تُحرّكنا، نَستميت من أجلها، من أجل سيادة لا وصي علينا، ومن أجل حرّية لا قيود تكبِّلنا، ومن أجل استقلال يحمي دولتنا.

اليوم اكثر من أي يوم، لبنان بخطر، خطر الزوال، خطر الانقسام، خطر الحرب وهو عرضة لأطماع الشرق والغرب. ونحن نتلهى بانقسامات وخلافات لا تعني الناس، ترضي طموحات ومكاسب القيادات السياسية التي تتشارك في سرقة خيرات البلاد…

‏وجعي، ووجعنا كبير، عندما نتطلع إلى معاناة اللبنانيين من كل صوب، وهم رهينة قياداتهم، “جلاّديهم”، هؤلاء استأثروا بمواقعهم، لا يهمّهم سيادة أو قانون، همّهم تحصيل مكاسب شخصية على حساب الوطن، فالقانون بيدهم يحميهم والدولة المزعومة هي دولتهم .

‏ومعاناة الرفاق الذين اعتبروا أنهم حققوا حلمهم بعودة جنرالهم، المقاوم، الجامع، الذي يقلب الطاولة، ولا يرضى بالتسويات، خاصة عندما تكون على حسابهم.

‏نعم غالبية ساحقة من اللبنانيين تشاركت هذا الحلم، وأنا واحد منهم، حلمنا بقائد منقذ للوطن، يضحّي بنفسه من أجل لبنان، طموحه أن يفي بوعوده، ينصف كل اللبنانيين ويسعى لأن يؤمّن لهم حياة وعيشاً كريماً.

‏جنرال، أحَبَّك الناس لأنهم رأوا فيك واحداً منهم، لأنك حاكيت أوجاعهم ومشاعرهم، لأنك ضابط تنتمي إلى الجيش اللبناني، والضابط عندنا يوازي الصدق والتفاني والعطاء دون مقابل من أجل لبنان، والضابط عندنا هو نقيض السياسي لا ينتمي لأي فريق أو حزب أو تنظيم، جامع لكل اللبنانيين، من كل الطوائف والمذاهب، وحامل شعار “شرف تضحية وفاء”.

‏ترددت كثيراً قبل أن أكتب هذه الكلمات، لو هلة احترت بين الصمت واللامبالاة، وبين أن انتفض دفاعاً عن حالة شعبية عارمة كنت، أنت، أحييت شعاراتها، ودعائمها، وكنا إلى جنبك نضحي بالغالي والرخيص سعياً لتحقيق السيادة والحرية والاستقلال، هذا الشعار نفسه الذي اعتبرت اليوم أننا حصلنا عليه وعلينا التوجه لمحاربة الفساد، والتخاذل، وموت الإدارة… وإيجاد فرص عمل…

واليوم أين هم الرفاق؟ أولئك الذين لم يخضعوا لترغيب أو ترهيب، هؤلاء الأبطال الذين واجهوا السجن ‏والتعذيب والقتل، جاهروا بمواقفهم رافعين صورك وشعاراتك عالياً معرّضين أنفسهم وعائلاتهم ومصالحهم للتوقيف والسجن ولأبشع أنواع التهم.

يومها لم يمنِّنوا، وما منَّنوا.

هم كانوا يدافعون عن لبنان، عن سيادة وحرية، عن كرامة وطن، كنت يومها قائدهم ومثالهم وهم اليوم أكثر من أي يوم متمسكين بلبنانهم وللأسف يتبرأون من مواقفك.

هم فاضلوا بين لبنان وحزبهم التيار فاختاروا لبنان بكل شرائحه وألوانه. أليس هذا هو الموقف نفسه الذي انطلقت منه؟

جنرال، هنالك حاجة اليوم أكثر من أي يوم للمّ الشمل والعمل بالروحية الوطنية الجامعة التي تعلمناها في مدرسة الجيش اللبناني، وعلينا إنقاذ الباخرة قبل فوات الأوان وكنت قبطانها.

أحادية الرأي والفوقية لا توصل إلا إلى الدمار والضياع.

يؤلمني هذا الواقع، يؤلمني أن أتطلع إلى هذه الهوّة التي تفصل الجنرال عن أهله، أولئك الذين وثقوا بكلامك، ولم يبخلوا عليك بعطاءاتهم.

يسهل الكلام إذا ما استخفينا بعقول الناس.

هل فعلاً لم يتسنى لك ممارسة السلطة عندما وصلتك؟

هل علينا أن نحلم من جديد بشعارات تستحدثها فيما نرمي جانباً كل شعاراتنا الماضية وأحلامنا التي نذرنا أنفسنا وضحينا بكل شيء من أجل تحقيقها؟

مرة جديدة، وبحجة التغيير، تراهنون على الناس، مواطنون تعلّقوا بوطنهم ولم يتسنى لهم أن يعايشوا تلك الحقبة الاستثنائية ،،،، وهم بكل بساطة، سيلاقون نفس مصيرنا… سيحلمون، سيصدِّقون، سيصفِّقون، وبالنهاية سيُصدمون ويُرزلون ويُطردون، فيما أنتم وحدكم تربحون بانقلاباتكم على المبادئ وتفاهماتكم وخلافاتكم وتسوياتكم… ورهاناتكم على من يصدِّقكم من جديد.

جنرال،

قضيتنا وُلدت من قهر ووجع وجوع أجدادنا، ووُلدت من الظلم الذي طالهم بحياتهم وطال عائلاتهم وأرزاقهم ولقمة عيشهم، وقد نذرنا لهم ولشهدائنا القسم والوعد بأننا على العهد باقون،

قضيتنا ولدت من مقاومتهم ونحن أبناء مقاومون جعلوا شعارهم “لأضحي أنا وليعش لبنان”.

حاكيت قلوبنا، أحييت قضيتنا، سمعنا كلماتك، فتواعدنا على تحقيق القول بالفعل…

وها نحن اليوم، من فمك تديننا، تتوعّدنا، تُسكتنا، تُساوم على حقوقنا، وتُسقط شعاراتنا…

عاهدت نفسي أن أحمل وجعي وقهري بصمت، عاهدت نفسي أن أحفظ الودّ الذي نما في قلبي وقد جمعتنا أيام وسنين، تشاركنا فيها الأفراح والاحزان، كما تشاركنا القلق والخوف على المصير،

في تلك الأيام كما في ساعات وحدتي وغضبي وسجني واعتقالاتي أكسبتني الحياة دروساً منها أن الحق لن يموت، والحقيقة تقال في وقتها، والصديق من صدق وليس من صدّق”.

فايز كرم