منال شعيا
“لا تخطيط من باب المؤامرات. ولا رد عنيفاً من إطار أن المعركة قد انطلقت”.
بهذه المعادلة، يمكن توصيف حال من خرج من “التيار الوطني الحر” اليوم. بكل بساطة، باتت الخيارات أكثر من مفتوحة ومشرّعة أمام من كان في قلب “التيار الوطني” وأصبح الآن خارجه.
وبهدوء ما بعد العاصفة، فإن “تموضع من أصبح في الخارج أحسن بكثير وأوسع ممن هم في الداخل، وفي مقدّمهم القيادة”.
هذا هو المشهد العام الذي يمكن رسمه بعد أسبوع على المبادرة أو الاقتراح الذي قدمه النائب إبراهيم كنعان، حين رفع الصوت داعياً الى “لمّ الشمل ووحدة التيار”، فأتاه الجواب سلبياً، بعد ساعات معدودة، فكان أن نسفت المبادرة في رحمها، في دلالة لها أكثر من رمزية، في الشكل والمضمون.
والسؤال الذي لا يزال يتردّد منذ أسبوع: ماذا بعد المبادرة؟ وأي خيارات سترسم الصورة المستقبلية لحزب “التيار الوطني”؟
أولاً، في الشكل، إن تسمية مفصولين لا تعبرّ عن الواقع أو عن حال النواب الثلاثة المعنيين، وهم كنعان وآلان عون وسيمون أبي رميا، (باعتبار أن النائب الياس بو صعب لم ينطلق من الرحم الحزبي لـ”التيار”).
أولاً، لأن الفصل ليس الجامع المشترك بين الثلاثة، وثانياً، لأن كلمة فصل ترتبط عادة “بأداء مخلّ بالقانون أو بالمسلك العام”، وهذا ما لا ينطبق على الثلاثة، لأن عدم التزام حضور اجتماعات المجلس السياسي لـ”التيار” له أكثر من إشكالية، ولا يمكن اختصاره فقط “بتهمة التغيّب” التي تستوجب قراراً مماثلاً للفصل.
ثانياً، وفي الشكل أيضاً، فإن الرد الذي جاء بعد ساعات على مبادرة كنعان، صدر عن اللجنة المركزية للإعلام والتواصل، فيما كان الأجدر أن يكون الرد من “نافذة حزبية” أخرى، احتراماً لنائب يمثل الأمة، ويمثل “التيار” لما يقارب أربعين عاماً.
ثالثاً، أتى الرد وكأنه محضر قبل المؤتمر، كما لو أنه يأتي ضمن سلسلة بدأت منذ اللحظة الأولى لتوزيع كنعان خبر عقد المؤتمر، فسرّب، ليلاً، وعلى الفور خبر تعليق عضويته في المجلس السياسي للحزب. وهكذا، فهم أنه لن يتم تلقف موقف كنعان بإيجابية. وهذا ما كان.
رئيس “التيّار” حصراً
… ومن الشكل الى المضمون، أولاً، في النظام الداخلي لحزب “التيار”، ثمة أطر ثلاثة تثقل الأعضاء وهي المجلس السياسي، الهيئة السياسية، و”تكتل لبنان القوي”.
وفي معلومات “النهار” إن اعتراضاً كبيراً سبق أن قدمه عدد من النواب والأعضاء على عدم قدرتهم على مواكبة الاجتماعات لهذه الأنماط الثلاثة، بالدينامية نفسها أو بالوتيرة ذاتها، وفي الأساس، كما لو أن هناك استنتساخاً لبعضها عن بعض، إذ إن الهيئة السياسية مثلاً، تضمّ معظم أعضاء المجلس السياسي كما التكتل، الأمر الذي سينتج عنه حكماً، ” تقصير” في الحضور في جانب منها. وهذه هي “التهمة” التي تلاحق النواب الثلاثة.
وللمفارقة، إن المجلس السياسي تحديداً، يضم الوزراء والنواب الحاليين والسابقين، وثمة عدد لا بأس به منهم، لا يحضرون الاجتماعات، وهم تغيّبوا لأكثر من ثلاث مرات، ولم يصدر بحقهم أي تدبير، تماماً كما حصل مع آلان عون وكنعان.
والأهم، وفق معلومات “النهار”، أن النظام الداخلي عُدّل في حزيران الماضي، أي قبل شهرين من إعلان قرار فصل عون، وأضيفت إليه عبارة “التغيّب ثلاث مرات”، ما يعني أن العدّة كانت تُعدّ لأي تدبير بحق البعض.
ومن المعلوم أن مسألة فصل عون أخذت الكثير من الأخذ والرد، عند صفوف القيادة نفسها، بمعنى أنها “ماطلت” بها كثيراً، تحت حجة “إعطاء مزيد من الفرص”، إلا أن حضور المجلس السياسي لم يكن ملزماً قبل آخر تعديل للنظام، أي قبل أقل من شهرين فقط.
أما في ما يختص بكنعان، فقد علمت “النهار” أنه منذ 10 نيسان 2024، أبلغ كنعان رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بأنه يعلق عضويته في المجلس السياسي واجتماعات “التكتل”، تمهيداً لأي مبادرة قد تبصر النور، انطلاقاً من الرسالة التي كان كنعان قد وجهها الى باسيل، وقد أبرزها أخيراً في الإعلام، في محاولة لرأب الصدع بعد فصل النائب الياس بو صعب حينها.
وبالتالي، لم تعد مفاجأة أن كنعان لا يحضر. وهو، أخلاقياً، أبلغ رئيس الحزب بذلك. فهو من باب “الالتزام” بروحية الرسالة، أراد العمل، منذ نحو خمسة أشهر، على عدم تهشيم جسم “التيار” أكثر لكنه فشل، وكرّت السبحة.
وجّه الرسالة بعيداً عن الاعلام، وانتظر. ولا جواب أتاه.
لا بل أكثر، ففي مضمون النظام الداخلي لحزب “التيار”، فإن صلاحية إحالة أي موضوع على المجلس السياسي، أو وضع أي بند على جدول أعمال هذا المجلس، تعود حصراً لرئيس الحزب. فلم يكن أمام كنعان، أو غيره، طرح مناقشة الرسالة، سوى باسيل حصراً! مثل السلطات التقريرية التي تُحصر به أيضاً. وكانت النتيجة أن أهملت الرسالة. كما أن لا نية لترتيب البيت الداخلي.
ماذا بعد؟
ماذا بعد؟ هو السؤال المهم اليوم. مرّ أسبوع كامل على مبادرة كنعان. لا القيادة استجابت لمطلب “لمّ الشمل”، ولا من غادر “التيار” عاد إليه.
الصورة معاكسة تماماً. استمرت الحملات الإعلامية على من في الخارج، من عدد ممّن يتسلمون مراكز حزبية – إعلامية، فيما الصمت لا يزال عند النواب الثلاثة، إذ عندما تتخطى الأمور حداً معيناً، ويجري تداول بعض التأويلات، لا بد من توضيح بعض الجوانب، أقله أمام الرأي العام. ومن هنا، أتى مؤتمر كنعان الذي رأى أنه بات لزاماً عليه التوضيح، فكان اقتراح ما اعتبره “لمصلحة التيار”. كان كمن يرمي “ورقته الأخيرة”، قبل الصمت مجدداً.
ربما، في قرارة نفسه، لم يكن يتوقع “كل هذه السلبية”، أو أقله هذه السرعة في الرد السلبي. فانكفأ، فيما الحملات أو الإطلالات الإعلامية من الجانب الآخر مستمرة.
إذن، بانت الصورة. “لا مجال للمصالحة، ولا لإعادة لمّ الشمل”. حتى الساعة، كنعان لم يخرج من “التيار”، ولا قرار جديداً من القيادة… بات “التيار” بين “سندان” الاستمرار و”مطرقة” المعترضين.
إعلامياً، من جانب القيادة، الظهور أكثر من مكثف. ومن جانب المعترضين، ثمة صمت واضح. عون وأبي رميا وكنعان لا يفصحون عما سيجري لاحقاً، ولا سيما أنهم يُصوَّرون على أنهم “أصحاب حركة انشقاقية أو مؤامرات تحاك ضد القيادة”، فيما الحضور الإعلامي المعاكس ينشط دورياً، ربما منذ العشاء الشهير الذي تحدث فيه باسيل عن “خيانة”.
فلعلّها مفارقة أن “يُطرد البعض ثم يُتهمون بأنهم هم من يقسّمون الجسم الحزبي”، فلو أرادوا فعلاً ذلك، لخرجوا وأعلنوا انقسامهم منذ فترة طويلة من غياب الود والتفاهم.
“لا تخطيط إعلامياً”، “الخيارات أكثر من مفتوحة”، “التموضع أوسع بكثير”: هذه هي العبارات التي تختصر حال النواب الثلاثة… وحتى تلك اللحظة، هم صامتون… حفاظاً على “الوجه الجميل للتيار”.
يبقى أن المعادلة لا تُختصر بكلمة “الوفا” فحسب… فمن تسلّم مواقع مهمة، إن كان على رأس لجان نيابية رئيسية، أو من خلال هيئة مكتب مجلس النواب، هم أنفسهم: أبي رميا الذي أمضى أعوام نضاله في فرنسا، يجول بين مركز أوروبي وآخر ليرفع عالياً قضية “الحرية، السيادة، الاستقلال”…
وكنعان الذي أمضى 15 عاماً في الخارج، وكان من مؤسسي “جبهة تحرير لبنان – لندن”، و”التجمّع اللبناني – البريطاني من أجل الحريّة في لبنان”.
وآلان عون الذي ناضل مع شباب “التيار” في التظاهرات والتحركات الاحتجاجية في وجه الاحتلال السوري والقمع. باختصار، هم في المكان المناسب لهم… فالمسألة أبعد من “وفا، والتزام”…