سركيس كرم
مهلاً، حضرة المبعوث الأميركي من أصل لبناني، السيد طوم باراك…
لبنان ليس لقمة سائغة، ولن يكون. فعبر تاريخه، ولا سيما منذ العام 1975 وحتى اليوم، ارتوت أرضه بدماء آلاف الشهداء الذين قدّموا حياتهم على مذبح الكرامة والسيادة، دفاعاً عن بقاء الوطن وحرّيته واستقلاله.
ونودّ تذكيرك، إن كنت قد نسيت، بفشل مهمة زميلك ومواطنك السفير دين براون في العام 1975. تلك المهمة اللعينة التي جاءت من ضمن مخططات وزير الخارجية هنري كيسنجر التآمرية على وطن الأرز وتحديداً على مسيحييه، حين عمل على الترويج لحلول مفروضة على اللبنانيين أخطرها ترحيل المسيحيين “الى أي مكان يريدونه”.
يومها، اصطدم بإرادة صلبة عبّر عنها رئيس الجمهورية آنذاك، سليمان فرنجية، بحضور أركان الجبهة اللبنانية: الرئيس كميل شمعون، الشيخ بيار الجميل، والأباتي شربل قسيس.
كان ردّ الرئيس فرنجية واضحاً وحازماً: “المسيحيون لن يتركوا لبنان حتى آخر نقطة دم في شرايينهم. سيقاتلون حتى النهاية، ولن يغادروا وطن أجدادهم.”
ثم أضاف بنبرة لا لبس فيها: “انا رئيس جمهورية أثناء ولايتي ولديّ شابين، وهما الآن في المتراس، ولدى الرئيس شمعون، رئيس جمهورية سابق، شابين وهما أيضًا في المتراس، والشيخ بيار الجميل، رئيس أكبر حزب مسيحي، عنده شابين وهما في هذه اللحظة في المتراس، وكل شاب تحت سن الخمسين هو الآن في الخطوط الأمامية دفاعاً عن بلدته وقريته، ولذلك ليس من الممكن ان نترك أرضنا ونحن أحياء.”
سيد باراك،
كل حبة تراب من أرض لبنان، أرض الأرز والقداسة والبطولة، مشبّعة بدماء الأبرار الذين واجهوا الحروب والاحتلالات والمؤامرات.
وعلى مدى خمسين عاماً من الأزمات، لم يزد اللبناني إلا تشبّثاً بأرضه وكرامته، وتمسّكاً بكيانه وهويته.
لبنان لا يحتاج إلى مشاريع “إبتلاع” و”هيمنة” مفروضة عليه من خارج حدوده سواء أتت من أميركا او ايران او أي مكان في العالم، ولا إلى طروحات تتجاهل خصوصياته وتاريخه ووزنه الحضاري. إنه ليس سلعة على طاولة المساومات الإقليمية والدولية، ولا وطناً احتياطياً لأحد.
من يُقرر مصير لبنان هم أبناؤه، هم أهل الذين سقطوا شهداء من كل الطوائف، ليبقى هذا الوطن موحّداً، سيداً، حراً.
وكن أكيداً انه سيعود اللبنانيون جميعهم من دون استثناء، وأقرب مما يتصور البعض، إلى حضن الدولة ومؤسساتها، تحت سقف القانون وحماية سلاح الشرعية وحده، لكن هذا المسار لا يُبنى على الاستفزاز و الإستهتار والكيدية، بل على الحكمة والروية والشراكة والاحترام المتبادل.
فتمهّل، حضرة المبعوث… عد بذاكرتك إلى صمود أجدادك اللبنانيين، وتعلّم من تاريخهم في مواجهة كل من حاول تطويعهم أو كسرهم.
تذكّر أن كل الغزاة تحطّموا على صخور لبنان، وأن مشروع “الوطن البديل” سقط، وزمن الوصاية انتهى، وبقي لبنان.
وسيبقى بفضل دماء الشهداء، وصمود الشعب وإيمانه الراسخ بديمومة وطنه.